الإطراء واستماع الثناء، ولست بحمد الله كذلك، ولو كنت أحب أن يقال ذلك [لي] لتركته انحطاطا لله سبحانه عن تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء، وربما استحلى الثناء بعد البلاء، فلا تثنوا علي بجميل ثناء، لاخراجي نفسي إلى الله وإليكم من البقية في حقوق لم أفرغ من أدائها، وفرائض لا بد من إمضائها، فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة، ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي، ولا التماس إعظام لنفسي، فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه.
فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي، إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني، فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره، يملك منا ما لا نملك من أنفسنا، وأخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا عليه، فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى وأعطانا البصيرة بعد العمى.
فأجابه الرجل الذي أجابه من قبل، فقال: أنت أهل ما قلت، والله فوق ما قلته، فبلاؤه عندنا ما لا يكفر، وقد حملك الله تبارك وتعالى رعايتنا، وولاك سياسة أمورنا، فأصبحت علمنا الذي نهتدي به، وإمامنا الذي نقتدي به، وأمرك كله رشد، وقولك كله أدب. قد قرت بك في الحياة أعيننا، وامتلأت من سرور بك قلوبنا، وتحيرت من صفة ما فيك من بارع الفضل عقولنا، ولسنا نقول لك: أيها الإمام الصالح تزكية لك، ولا تجاوز القصد في الثناء عليك، ولن يكن في أنفسنا طعن على يقينك، أو غش في دينك فنتخوف أن تكون أحدثت بنعمة الله تبارك وتعالى تجبرا، أو دخلك كبر، ولكنا نقول لك ما قلنا تقربا إلى الله عز وجل بتوقيرك، وتوسعا بتفضيلك، وشكرا بإعظام أمرك، فانظر لنفسك ولنا وآثر أمر الله على نفسك وعلينا، فنحن طوع فيما أمرتنا، ننقاد من الأمور مع ذلك فيما ينفعنا.
فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام فقال: وأنا أستشهدكم عند الله على