نفسي لعلمكم فيما وليت به من أموركم، وعما قليل يجمعني وإياكم الموقف بين يديه، والسؤال عما كنا فيه، ثم يشهد بعضنا على بعض، فلا تشهدوا اليوم بخلاف ما أنتم شاهدون غدا، فإن الله عز وجل لا يخفى عليه خافية، ولا يجوز عنده إلا مناصحة الصدور في جميع الأمور.
فأجابه الرجل ويقال: لم ير الرجل بعد كلامه هذا لأمير المؤمنين عليه السلام فأجابه، وقد عال الذي في صدره فقال والبكاء يقطع منطقه، وغصص الشجى تكسر صوته إعظاما لخطر مرزئته ووحشته من كون فجيعته فحمد الله وأثنى عليه، ثم شكى إليه هول ما أشفى عليه من الخطر العظيم والذل الطويل في فساد زمانه وانقلاب حده وانقطاع ما كان من دولته، ثم نصب المسألة إلى الله عز وجل بالامتنان عليه والمدافعة عنه بالتفجع وحسن الثناء فقال:
يا رباني العباد ويا سكن البلاد! أين يقع قولنا من فضلك! وأين يبلغ وصفنا من فعلك! وأنى نبلغ حقيقة حسن ثنائك أو نحصي جميل بلائك! وكيف وبك جرت نعم الله علينا، وعلى يدك اتصلت أسباب الخير إلينا؟ ألم تكن لذل الذليل ملاذا وللعصاة الكفار إخوانا (1)؟ فبمن إلا بأهل بيتك وبك أخرجنا الله عز وجل من فظاعة تلك الخطرات، أو بمن فرج عنا غمرات الكربات! أو بمن إلا بكم أظهر الله معالم ديننا واستصلح ما كان فسد من دنيانا، حتى استبان بعد الجور ذكرنا، وقرت من رخاء العيش أعيننا لما وليتنا بالإحسان جهدك، ووفيت لنا بجميع عهدك، فكنت شاهد من غاب منا وخلف أهل البيت لنا، وكنت عز ضعائفنا وثمال فقرائنا وعماد عظمائنا، يجمعنا من الأمور عدلك، ويتسع لنا في الحق تأنيك، فكنت لنا أنسا إذا رأيناك، وسكنا إذا ذكرناك. فأي الخيرات لم تفعل! وأي الصالحات لم تعمل!
ولو أن الأمر الذي نخاف عليك منه يبلغ تحريكه جهدنا وتقوى