ثم مر بالشاميين فسمع رنة شديدة وصوتا مرتفعا عاليا فخرج إليه حرب بن شرحبيل الشامي فقال علي عليه السلام: أتغلبكم نساؤكم ألا تنهونهن عن هذا الصياح والرنين؟ قال: يا أمير المؤمنين لو كانت دارا أو دارين أو ثلاثة قدرنا على ذلك ولكن من هذا الحي ثمانون ومائة قتيل فليس من دار إلا وفيها بكاء أما نحن معاشر الرجال فإنا لا نبكي ولكن نفرح لهم بالشهادة فقال علي عليه السلام: رحم الله قتلاكم وموتاكم وأقبل يمشي معه وعلي راكب فقال له علي عليه السلام: ارجع فإن مشي مثلك مع مثلي فتنة للوالي ومذلة للمؤمن (1).
ثم مضى حتى مر بالناعطيين فسمع رجلا منهم يقال له عبد الرحمن بن مرثد فقال: ما صنع علي والله شيئا ذهب ثم انصرف في غير شئ فلما نظر إلى أمير المؤمنين عليه السلام أبلس (2) فقال عليه السلام لأصحابه: قوم فارقتهم آنفا خير من هؤلاء ثم قال:
أخوك الذي إن أجهضتك ملمة * من الدهر لم يبرح لبثك واجما (3) وليس أخوك بالذي إن تشعبت * عليك أمور ظل يلحاك لائما ثم مضى فلم يزل يذكر الله حتى دخل الكوفة.
بيان: قال في النهاية فيه: إنه انكفئ لونه عام الرمادة أي تغير عن حاله ومنه حديث الأنصار: مالي أرى لونك منكفئا؟ قال: من الجوع انتهى والاجهاض: الغلبة. ولم يبرح أي لم يزل.
والواجم: الذي اشتد حزنه حتى أمسك عن الكلام. والتشعب: التفرق.