فلما كان اليوم الذي اجتمعوا فيه خرج (عليه السلام) فصلى بالناس الغداة في المسجد الجامع فلما قضى صلاته قام فأسند ظهره إلى حائط القبلة عن يمين المصلي فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله وصلى على النبي صلى الله عليه وآله واستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ثم قال:
يا أهل البصرة يا أهل المؤتفكة وائتفكت بأهلها ثلاثا وعلى الله تمام الرابعة يا جند المرأة وأعوان البهيمة رغا فأجبتم وعقر فانهزمتم أخلاقكم دقاق ودينكم نفاق وماؤكم زعاق بلادكم أنتن بلاد الله تربة وأبعدها من السماء بها تسعة أعشار الشر المحتبس فيها بذنبه والخارج منها بعفو الله.
كأني أنظر إلى قريتكم هذه وقد طبقها الماء حتى ما يرى منها إلا شرف المسجد كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر!!
فقام إليه الأحنف بن قيس فقال له: يا أمير المؤمنين ومتى يكون ذلك؟
قال: يا أبا بحر إنك لن تدرك ذلك الزمان وإن بينك وبينه لقرونا ولكن ليبلغ الشاهد منكم الغائب عنكم لكي يبلغوا إخوانهم إذا هم رأوا البصرة قد تحولت أخصاصها دورا وآجامها قصورا فالهرب الهرب فإنه لا بصيرة لكم يومئذ.
ثم التفت عن يمينه فقال: كم بينكم وبين الأبلة؟ فقال له المنذر بن الجارود: فداك أبي وأمي أربعة فراسخ قال له: صدقت فوالذي بعث محمدا صلى الله عليه وآله وأكرمه بالنبوة وخصه بالرسالة وعجل بروحه إلى الجنة لقد سمعت منه كما تسمعون مني أن قال لي: " يا علي هل علمت أن بين التي تسمى البصرة والتي تسمى الأبلة أربعة فراسخ وسيكون التي تسمى الأبلة موضع أصحاب العشور ويقتل في ذلك الموضع من أمتي سبعون ألفا شهيدهم يومئذ بمنزلة شهداء بدر.
فقال له المنذر: يا أمير المؤمنين ومن يقتلهم فداك أبي وأمي؟ قال: