بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٨ - الصفحة ٢٣٥
الحديد: استعار النهوض بالجناح للاعتزال أي نفض يديه كطاير ينهض بجناحيه و اعتزل عن الناس وساح في الأرض أو فارق الدنيا ومات، ولو بقي فيهم ترك المنازعة ولا يخفى بعدهما، بل الأظهر في الروايتين أن المعنى فاز من قام بطلب الحق إذا تهيأت أسبابه أو انقاد لما يجرى عليه مع فقدها.
وبعد ذلك في النهج " ماء آجن ولقمة يغص بها آكلها، ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه " فعلى رواية ابن الجوزي الغرض ظاهر أي الصبر على الشدة والمذلة أولا مع حسن العاقبة أحسن من ارتكاب أمر يوجب اشتداد البلية وسوء العاقبة، وعلى الرواية الأخرى الأظهر أنه يعود إلى هذا المعنى، أي ما تدعوني إليه وتحملوني عليه ماء آجن أي متغير الطعم والرائحة، " ولقمة يغص " بفتح الغين أي ينشب في حلق آكلها ولا يمكنه إساغتها.
وذهب شارحوا النهج إلى أن المعنى أن الخلافة والامارة مطلقا كالماء و اللقمة تستتبع المتاعب والمشاق في الدنيا أو عاجلا لو كان حقا، وعاجلا وآجلا مع بطلانها، وقيل إشارة إلى ما انعقد في السقيفة، واجتنى الثمرة قطفها أي من اجتني ثمرة في غير وقته لا ينتفع بها كزارع أرض لا يقدر على الإقامة فيها أو يخرجه عنها مالكها، ولعله (عليه السلام) شبه طلبه في هذا الوقت بمن يجتني ثمرته مع عدم إيناعها، وشبه اختيار الملعون الخلافة بمن زرع في غير أرضه فيفيد ما تقدم مع كمال التشبيه في الفقرتين.
" واللتيا " بفتح اللام وتشديد الياء تصغير التي وجوز الضم أيضا، واللتيا والتي من أسماء الداهية، فاللتيا للصغيرة، والتي للكبير، قيل تزوج رجل امرأة قصيرة سيئة الخلق فقاسى منها شدائد ثم طلقها وتزوج طويلة فقاسى منها أضعاف القصيرة، فطلقها، وقال بعد اللتيا والتي لا أتزوج أبدا، فصار مثلا (1) فالمعنى ما أبعد ظن جزع الموت في حقي بعد ما ارتكبته من الشدائد، وليس قوله: " ومن الرجل بأخيه وعمه " في النهج، والاندماج الانطواء وباح بالشئ أعلنه وأظهره .

(1) راجع مجمع الأمثال 1 / 92 تحت الرقم 440
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 ... » »»
الفهرست