بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٨ - الصفحة ١٦٢
وقال بعض المخالفين: إن السبب في قوله: " إنكن صويحبات يوسف " أنه (صلى الله عليه وآله) لما أوذن بالصلاة وقال مروا أبا بكر ليصلي بالناس، فقالت له: عائشة إن أبا بكر رجل أسيف لا يحتمل قلبه أن يقوم مقامك في الصلاة، ولكن تأمر عمر أن يصلى بالناس، فقال عند ذلك " إنكن صويحبات يوسف " (1) وهذا ليس بشئ لان النبي لا يجوز أن يكون أمثاله إلا وفقا لأغراضه، وقد علمنا أن صويحبات يوسف لم يكن منهن خلاف على يوسف ولا مراجعة له في شئ أمرهن به، وإنما افتتن بأسرهن بحسنه، وأرادت كل واحدة منهن مثل ما أرادته صاحبتها فأشبهت حالهن حال عائشة في تقديها أباها للصلاة للتجمل والشرف بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولما يعود بذلك عليها وعلى أبيها من الفخر وجميل الذكر.
ولا عبرة بمن حمل نفسه من المخالفين على أن يدعى أن الرسول (صلى الله عليه وآله) لما خرج إلى المسجد لم يعزل أبا بكر عن الصلاة وأقره في مقامه، لان هذا من قائله غلط فظيع، من حيث يستحيل أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الامام المتبع في ساير الدين متبعا مأموما في حال من الأحوال (2) وكيف يجوز أن يتقدم على

(1) وقال الشيخ المفيد قدس سره على ما في مختار العيون والمحاسن ص 90: لا خلاف أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان من أحكم الحكماء وأفصح الفصحاء ولم يكن يشبه الشئ بخلافه و يمثله بضده، وإنما كان يضع المثل في موضعه فلا يخرم مما مثله به في معناه شيئا، ونحن نعلم أن صويحبات يوسف إنما عصين الله تعالى وخالفنه بأن أرادت كل واحدة منهن من يوسف ما أرادته الأخرى وفتنت به كما فتنت به صاحبتها، فلو كانت عائشة دفعت الامر عن أبيها ولم ترد شرف ذلك المقام له ولم تفتتن بمحبة الرئاسة وعلو المنزلة، لكان النبي في تشبيهها بصويحبات يوسف قد وضع المثل في غير موضعه وشبه الشئ بضده وخلافه، ورسول الله يجل عن هذه الصفة.
(2) بل وقد مرص 148 في حديث أخرجه مسلم ج 2 ص 25 أن أبا بكر نفسه صلى صلاة أمها بالمسلمين حيث أحسن بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد جاء إلى الصلاة أبطل صلاته وتأخر إلى داخل الصفوف، علما منه بأن صلاته ودعاءه لا يقبل إذا كان رسول الله حاضرا في الصف معهم، و لذلك صرح بذلك وقال: " ما كان لابن أبي قحافة أن يصلى بين يدي رسول الله " فلم ينكر عليه رسول الله ذلك، بل وفى لفظ البخاري ج 9 ص 92 سنن النسائي الإمامة 15 مسند ابن حنبل ج 5 ص 332 و 333 و 336 و 338 أنه قال عند ذلك: " لم يكن لابن أبي قحافة أن يؤم النبي ".
ويدل على ذلك أيضا ما رواه ابن سعد في الطبقات ج 2 ق 2 ص 69 أنه " لما وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على السرير قال على - ألا يقوم عليه أحد لعله يؤم: هو امامكم حيا وميتا فكان يدخل الناس رسلا رسلا فيصلون عليه صفا صفا ليس لهم امام " ولأجل أن رسول الله امام حيا وميتا ترى المسلمين لم يصلوا عليه (صلى الله عليه وآله) بامامة وهذا اتفاقي.
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 ... » »»
الفهرست