بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٨ - الصفحة ١٥٩
الحديد (1) من المنحرفين عن علي (عليه السلام)، وحكى أبو المعالي الجويني على ما ذكره بعض الأصحاب عن الشافعي أنه قال بعد ذكر الحسن: وفيه كلام.
وبعد التنزل عن كونه خصما مجروحا، وتسليم أن الطريق إليه حسن، نقول: إذا كان ذلك من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) فلما ذا ترك بيعة أبي بكر ستة أشهر أو أقل، حتى يقاد بأعنف العنف، ويهدد بالقتل بعد ظهور أماراته، وكيف كان يتظلم ويبث الشكوى منهم في كل مشهد ومقام، كما سيأتي في باب الشكوى وإسناد الكذب إلى الحسن أحسن من اسناد التناقض إلى كلامه عليه السلام، وغرضه من الوضع على لسانه (عليه السلام) إلزام الشيعة وإتمام الحجة عليهم، وإلا فانكاره (عليه السلام) لصدور الامر بالصلاة من الرسول (صلى الله عليه وآله) وتعيينه أبا بكر من المشهورات.
وقد روى ابن أبي الحديد عن شيخه أبي يعقوب يوسف بن إسماعيل اللمعاني أن عليا (عليه السلام) كان ينسب عائشة إلى أنها أمرت بلالا أن يأمر أبا بكر بأن يصلى بالناس، وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ليصل بهم رجل ولم يعين أحدا، فقالت مر أبا بكر يصلي بالناس، وكان (عليه السلام) يذكر ذلك لأصحابه في خلواته كثيرا ويقول إنه لم يقل (صلى الله عليه وآله) إنكن كصويحبات يوسف إلا إنكارا لهذه الحال، وغضبا منه، لأنها وحفصة، تبادرنا إلى تعيين أبيهما وأنه استدركها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخروجه وصرفه عن المحراب انتهى (2).
.

(1) راجع شرح النهج ج 1 ص 368، قال: " روى عنه حماد بن سلمة أنه قال: لو كان على يأكل الحشف بالمدينة لكان خيرا له مما دخل فيه ثم ذكر حديث الوضوء ودعاء على (عليه السلام) عليه.
(2) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج عند كلامه (عليه السلام) " واما فلانة فأدركها رأى النساء وضغن غلا في صدره كمرجل القين ولو دعيت لتنال من غيري ما أتت إلى لم تفعل ":
اعلم أن هذا الكلام يحتاج إلى شرح وقد كنت قرأته على الشيخ أبى يعقوب يوسف بن إسماعيل اللمعاني - ره - أيام اشتغالي عليه بعلم الكلام وسألته عما عنده فأجابني بجواب طويل أنا أذكر محصوله، ثم ذكر بعض ما كان سبب معاداتها وبغضها إلى أن قال:
وما كان من حديث الصلاة بالناس ما عرف فنسب على (عليه السلام) عائشة انها أمرت بلالا مولا أبيها أن يأمره فليصل بالناس، لا ن رسول الله ص كما روى قال: ليصل بهم أحدهم ولم يعين، وكانت صلاة الصبح، فخرج رسول الله وهو في آخر رمق يتهادى بين على والفضل بن العباس حتى قام في المحراب كما ورد في الخبر، ثم دخل فمات ارتفاع الضحى، فجعل يوم صلاته حجة في صرف الامر إليه، وقال: أيكم يطيب نفسا أن يتقدم قدمين قدمهما رسول الله في الصلاة ولم يحملوا خروج رسول الله إلى الصلاة لصرفه عنها بل لمحافظته على الصلاة مهما أمكن فبويع على هذه النكتة التي اتهمها على (عليه السلام) على أنها ابتدأت منها.
وكان على يذكر هذا لأصحابه في خلواته كثيرا ويقول: انه لم يقل ص " إنكن لصويحبات يوسف " الا انكارا لهذه الحال وغضبا منها، لأنها وحفصة تبادرتا إلى تعيين أبويهما وأنه ص استدركها بخروجه وصرفه عن المحراب فلم يجد ذلك ولا أثر..
ثم قال ابن أبي الحديد: فقلت له - ره أفتقول أنت أن عائشة عينت أباها للصلاة و رسول الله لم يعينه؟ فقال: أما أنا فلا أقول ذلك، ولكن عليا كان يقوله وتكليفي غير تكليفه، كان حاضرا ولم أكن حاضرا، فأنا محجوج بالاخبار التي اتصلت بي وهي تتضمن تعيين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي بكر في الصلاة، وهو محجوج بما كان قد علمه أو يغلب على ظنه من الحال التي كان حضرها، الخ راجع ج 2 ص 439.
وقال الشارح في ج 3 ص 191: وروى الأرقم بن شرحبيل قال: سألت ابن عباس هل أوصى رسول الله؟ فقال: لا، قلت فكيف كان؟ فقال إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال في مرضه:
ابعثوا إلى علي فادعوه، فقالت عائشة: لو بعثت إلى أبى بكر، وقالت حفصة لو بعثت إلى عمر فاجتمعوا عنده جميعا.
قال الشارح: هكذا لفظ الخبر على ما أورده الطبري في التاريخ (ج 3 ص 196) ولم يقل فبعث رسول الله إليهما.
قال ابن عباس: فقال رسول الله: انصرفوا فان تكن لي حاجة أبعث إليكم فانصرفوا و قيل لرسول الله: الصلاة، فقال: مروا أبا بكر أن يصلى بالناس فقالت عائشة ان أبا بكر رجل رقيق فمر عمر، فقال: مروا عمر، فقال عمر ما كنت لا تقدم وأبو بكر شاهد، فتقدم أبو بكر فوجد رسول الله خفة فخرج فلما سمع أبو بكر حركته تأخر فجذب رسول الله ثوبه فأقامه مكانه وقعد رسول الله فقرأ من حيث انتهى أبو بكر.
قال الشارح: قلت: عندي في هذه الواقعة كلام ويعترضني فيها شكوك واشتباه، إذا كان قد أراد أن يبعث إلى علي ليوصي إليه [لان مخرج كلام ابن عباس هذا المخرج وسؤال شرحبيل كان عن الوصية] فنفست عائشة عليه، فسألت أن يحضر أبوها ونفست حفصة عليه، فسألت ان يحضر أبوها، ثم حضرا ولم يطلبا فلا شبهة أن ابنتيهما طلبتاهما، هذا هو الظاهر.
وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد اجتمعوا كلهم عنده " انصرفوا فان تكن لي حاجة بعثت إليكم " قول من عنده ضجر وغضب باطن لحضورهما وتهمة للنساء في استدعائهما، فكيف يطابق هذا الفعل وهذا القول ما روى من أن عائشة قالت لما عين على أبيها في الصلاة " ان أبى رجل رقيق فمر عمر " وأين ذلك الحرص من هذا الاستعفاء والاستقالة؟
وهذا يوهم صحة ما تقوله الشيعة من أن صلاة أبى بكر كانت عن أمر عائشة، وان كنت لا أقول بذلك ولا أذهب إليه، الا أن تأمل هذا الخبر ولمح مضمونة يوهم ذلك، فلعل هذا الخبر غير صحيح. إلى آخر ما قال، وفيه الاعتراض بلزوم النسخ قبل تقضى وقت فعله حيث قال ص مروا أبا بكر أن يصلى بالناس، ثم قال: مروا عمر
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»
الفهرست