فان قيل: فلم نهي عن اتخاذ بعض هذه الأجناس إذا كان الذم لا يتعلق باتخاذها وإنما يتعلق ببعض متخذيها لكفرهم وضلالهم؟
قلنا: يجوز أن يكون في اتخاذ هذه البهائم المنهي عن اتخاذها وارتباطها مفسدة وليس يقبح خلقها في الأصل لهذا الوجه، لأنها خلقت لينتفع بها من سائر وجوه الانتفاع سوى الارتباط والاتخاذ الذي لا يمتنع تعلق المفسدة به، ويجوز أيضا أن يكون في اتخاذ هذه الأجناس المنهي عنها شوم وطيرة، فللعرب في ذلك مذهب معروف، ويصح هذا النهي أيضا على مذهب من نفى الطيرة على التحقيق، لان الطيرة والتشأم وإن كان لا تأثير لهما على التحقيق فان النفوس تستشعر ذلك (1) ويسبق إليها ما يجب على كل حال تجنبه والتوقي منه، وعلى هذا يحمل معنى قوله عليه السلام: (لا يورد ذو عاهة على مصح). فأما تحريم السمك الجري وما أشبهه فغير ممتنع لشئ يتعلق بالمفسدة في تناوله كما نقول في سائر المحرمات، فأما القول بأن الجري نطق بأنه مسخ لجحده الولاية فهو مما يضحك منه ويتعجب من قائله والملتفت إلى مثله، فأما تحريم الدب والقرد والفيل فكتحريم كل محرم في الشريعة، والوجه في التحريم لا يختلف، والقول بأنها ممسوخة إذا تكلفنا حملناه على أنها كانت على خلق حميدة غير منفور عنها، ثم جعلت على هذه الصورة الشنيئة على سبيل التنفير عنها والزيادة عن الصد في الانتفاع بها لان بعض الاحياء لا يجوز أن يكون غيره على الحقيقة، والفرق بين كل حيين معلوم ضرورة، فكيف يجوز أن يصير حي حيا آخر غيره؟ وإذا أريد بالمسخ هذا فهو باطل وإن أريد غيره نظرنا فيه.
وأما البطيخة فقد يجوز أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام لما ذاقها ونفر عن طعمها وزادت كراهيته لها قال: (من النار إلى النار) أي هذا من طعام أهل النار وما يليق بعذاب أهل النار، كما يقول أحدنا ذلك فيما يستوبيه ويكرهه، ويجوز أن يكون فوران الدخان عند الالقاء لها على سبيل التصديق لقوله عليه السلام: (من النار إلى النار) وإظهار معجز له.