الجري وما شاكله من السمك، وما نطق به الجري من أنه مسخ بجحده الولاية وورود الآثار بتحريمه لذلك.
وكذم الدب والقرد والفيل وسائر المسوخ المحرمة، وكذم البطيخة التي كسرها أمير المؤمنين عليه السلام فصادفها مرة فقال: (من النار إلى النار) ودحا بها من يده ففار من الموضع الذي سقطت فيه دخان، وكذم الأرضين السبخة والقول بأنها جحدت الولاية أيضا؟ وقد جاء في هذا المعنى ما يطول شرحه، وظاهره مناف لما تدل العقول عليه من كون هذه الأجناس مفارقة لقبيل ما يجوز تكليفه ويسوغ أمره ونهيه.
وفي هذه الأخبار التي أشرنا إليها أن بعض هذه الأجناس يعتقد الحق ويدين به، وبعضها يخالفه، وهذا كله مناف لظاهر ما العقلاء عليه، ومنها ما يشهد أن لهذه الأجناس منطقا مفهوما وألفاظا تفيد أغراضا وأنها بمنزلة الأعجمي والعربي اللذين لا يفهم أحدهما صاحبه، وأن شاهد ذلك من قول الله سبحانه فيما حكاه عن سليمان عليه السلام: (يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ إن هذا لهو الفضل المبين (1)) وكلام النملة أيضا مما حكاه الله سبحانه، وكلام الهدهد واحتجاجه وفهمه وجوابه فلينعم بذكر ما عنده مثابا إنشاء الله وبالله التوفيق.
فأجاب رحمه الله بقوله: اعلم أن المعول فيما يعتقد، على ما تدل الأدلة عليه من نفي وإثبات، فإذا دلت الأدلة على أمر من الأمور وجب أن يبنى كل وارد من الاخبار إذا كان ظاهره بخلافه عليه ونسوقه إليه ونطابق بينه وبينه ونخلي ظاهرا إن كان له، ونشرط إن كان مطلقا، ونخصه إن كان عاما، ونفصله إن كان مجملا، ونوفق بينه وبين الأدلة من كل طريق اقتضى الموافقة وآل إلى المطابقة.
وإذا كنا نفعل ذلك ولا نحتشمه في ظواهر القرآن المقطوع على صحته المعلوم وروده فكيف نتوقف عن ذلك في أخبار آحاد لا توجب علما ولا تثمر يقينا؟ فمتى وردت عليك أخبار فاعرضها على هذه الجملة وابنها عليها وافعل ما حكمت به الأدلة