" وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون (1) " فلم يبق منهم رجل وضع على رأسه التراب إلا قتل يوم بدر، ثم انصرف إلى حيث أراد فأتاهم آت لم يكن معهم فقال: ما تنتظرون ههنا؟ قالوا: محمدا، قال: قد والله خرج محمد عليكم ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه التراب وانطلق لحاجته فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه التراب، ثم جعلوا يطلعون فيرون عليا على الفراش متشحا (2) ببرد رسول الله صلى الله عليه وآله، فيقولون: إن هذا لمحمد نائم عليه برده. فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا، فقام علي من الفراش فقالوا: والله لقد صدقنا الذي كان حدثنا به.
وروى الواقدي عن أشياخه أن الذين كانوا ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وآله تلك الليلة من المشركين أبو جهل، والحكم بن أبي العاص، وعقبة بن أبي معيط، والنضر ابن الحارث، وأمية بن خلف، وابن الغيطلة، وزمعة بن الأسود، وطعمة بن عدي وأبو لهب، وأبي بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، فلما أصبحوا قام علي عليه السلام من الفراش فسألوه عن رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: لا علم لي به.
وروي أنهم ضربوا عليا وحبسوه ساعة ثم تركوه.
وأورد الغزالي في كتاب إحياء العلوم أن ليلة بات علي بن أبي طالب عليه السلام على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله أوحى الله تعالى إلى جبرئيل وميكائيل أني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بحياته؟ فاختار كل منهما الحياة وأحباها، فأوحى الله تعالى إليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب عليه السلام، آخيت بينه وبين محمد، فبات على فراشه يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه، فكان جبرئيل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجبرئيل عليه السلام ينادي: بخ بخ، من مثلك يا بن أبي طالب؟ يباهي الله بك الملائكة، فأنزل الله عز وجل: " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله