هذا الذي ترون دون معجزات موسى الذي تزعمون أنكم به تؤمنون؟ فنظر اليهود بعضهم إلى بعض فقال بعض (1): ما عن هذا محيص، وقال آخرون منهم: هذا رجل مبخوت مؤتى له والمبخوت تؤتى (2) له العجائب ولا يغرنكم ما تشاهدون، فناداهم الجبل: يا أعداء الله قد أبطلتم بما تقولون نبوة موسى عليه السلام: هلا قلتم لموسى: إن قلب العصا ثعبانا، وانفلاق البحر طرقا، ووقوف الجبل كالظلمة فوقكم (3) إنما تأتي لك لأنك مؤاتى لك، يأتيك جدك بالعجائب، فلا يغرنا ما نشاهده، فألقمتهم الجبال بمقالتها الصخور، ولزمتهم (4) حجة رب العالمين.
قوله عز وجل: (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون (5) ".
قال الإمام عليه السلام: فلما بهر رسول الله صلى الله عليه وآله هؤلاء اليهود بمعجزته، وقطع معاذيرهم بواضح دلالته، لم يمكنهم مراجعتهم في حجته، ولا إدخال التلبيس عليه من معجزته قالوا: يا محمد قد آمنا بأنك الرسول الهادي المهدي، وأن عليا أخوك هو الولي والوصي وكانوا إذا خلوا باليهود الآخرين يقولون لهم: إن إظهارنا له الايمان به أمكن لنا من مكروهه، وأعون لنا على اصطلامه واصطلام أصحابه، لأنهم عند اعتقادهم أننا منهم (6) يقفوننا على أسرارهم، ولا يكتموننا شيئا فنطلع عليهم (7) أعداءهم فيقصدون أذاهم بمعاونتنا ومظاهرتنا في أوقات اشتغالهم واضطرابهم، وفي أحوال تعذر المدافعة والامتناع من الأعداء