يتحلقون تحلقت الشجرتان فأحاطتا به كالأنبوبة حتى فرغ وتوضأ، وخرج من هناك وعاد إلى العسكر، وقال لزيد بن ثابت: عد إلى الشجرتين وقل لهما: إن رسول الله صلى الله عليه وآله يأمركما أن تعودا إلى أماكنكما، فقال لهما وسعت (1) كل واحدة منهما إلى موضعهما - والذي بعثه بالحق نبيا - سعي الهارب الناجي بنفسه من راكض شاهر سيفه خلفه، حتى عادت كل شجرة إلى موضعها، فقال المنافقون: قد امتنع محمد من أن يبدي لنا عورته، وأن ننظر إلى استه، فتعالوا ننظر إلى ما خرج منه لنعلم (2) أنه ونحن سيان، فجاءوا إلى الموضع فلم يروا شيئا البتة، لا عينا ولا أثرا، قال: وعجب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من ذلك، فنودوا من السماء أوعجبتم لسعي الشجرتين إحداهما إلى الأخرى، إن سعي الملائكة بكرامات الله عز وجل إلى محبي محمد ومحبي علي أشد من سعي هاتين الشجرتين إحداهما إلى الأخرى، وإن تنكب نفحات النار يوم القيامة عن محبي علي (3) والمتبرئين من أعدائه أشد من تنكب هاتين الشجرتين إحداهما عن الأخرى.
قال علي بن محمد صلوات الله عليهما. وأما دعاؤه صلى الله عليه وآله الشجرة فإن رجلا من ثقيف كان أطب الناس يقال له: الحارث بن كلدة الثقفي، جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال:
يا محمد جئت أداويك من جنونك، فقد داويت مجانين كثيرة فشفوا على يدي، فقال رسول الله (4) صلى الله عليه وآله: أنت تفعل أفعال المجانين، وتنسبني إلى الجنون؟ قال الحارث: وماذا فعلته من أفعال المجانين؟ قال: نسبتك إياي إلى الجنون من غير محنة (5) منك ولا تجربة ولا نظر في صدقي أو كذبي، فقال الحارث: أوليس قد عرفت كذبك وجنوبك بدعواك النبوة التي لا تقدر لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: وقولك لا تقدر لها فعل المجانين (6)، لأنك لم