كان ذات يوم في طريق له بين مكة والمدينة، وفي عسكره منافقون من المدينة، وكافرون من مكة ومنافقون لها (1)، وكانوا يتحدثون فيما بينهم بمحمد (2) صلى الله عليه وآله الطيبين وأصحابه الخيرين، فقال بعضهم لبعض: يأكل كما نأكل، وينفض كرشه من الغائط والبول كما ننفض، ويدعي أنه رسول الله، فقال بعض مردة المنافقين: هذه صحراء ملساء لأتعمدن النظر إلى استه إذا قعد لحاجته حتى أنظر هل الذي يخرج منه كما يخرج منا أم لا، فقال آخر (3) لكنك أن ذهبت تنظر معه منعه من أن يقعد، لأنه (4) أشد حياء من الجارية العذراء المحرمة (5)، قال: فعرف الله عز وجل ذلك (6) نبيه صلى الله عليه وآله فقال لزيد بن ثابت: اذهب إلى تينك الشجرتين المتباعدتين - يومئ إلى شجرتين بعيدتين قد أو غلتا (7) في المفازة، وبعدتا عن الطريق قدر ميل - فقف بينهما وناد أن رسول الله صلى الله عليه وآله يأمركما أن تلتصقا وتنضما، ليقضي رسول الله صلى الله عليه وآله خلفكما حاجته، ففعل ذلك زيد وقاله (8) فوالذي بعث محمدا بالحق نبيا إن الشجرتين انقلعتا بأصولهما من مواضعهما، وسعت كل واحدة منهما إلى الأخرى: سعي المتحابين، كل واحد منهما إلى الآخر: التقيا بعد طول غيبة، وشدة اشتياق، ثم تلاصقتا وانضمتا: انضمام متحابين في فراش في صميم (9) الشتاء، وقعد رسول الله صلى الله عليه وآله خلفهما، فقال أولئك المنافقون: قد استتر عنا، فقال بعضهم لبعض: فدوروا خلفه لتنظروا إليه. فذهبوا يدورون خلفه، فدارت الشجرتان كلما داروا، ومنعتاهم من النظر إلى عورته، فقالوا: تعالوا نتحلق حوله لتراه طائفة منا، فلما ذهبوا
(٣١٥)