من إنسكم وجنكم وآلهتكم غير الله، فإنه لا يقدر أن يأتي بمثله إلا الله، أو ادعوا من دون الله شهداء يشهدون لكم بأن ما آتيتم به مثله، ولا تستشهدوا بالله فإنه من ديدن المبهوت العاجز عن إقامة الحجة، أو شهدائكم الذين اتخذتموهم من دون الله أولياء أو آلهة وزعمتم أنها تشهد لكم يوم القيامة، أو الذين يشهدون لكم بين يدي الله على زعمكم ليعينوكم، وقيل: من دون الله أي من دون أولياء الله، يعني فصحاء العرب ووجوه الشاهد ليشهدوا لكم أن ما آتيتم به مثله " إن كنتم صادقين " أنه من كلام البشر (1).
وقال النيشابوري في قوله تعالى: " وضربت عليهم الذلة والمسكنة " أي أحيطت بهم كالقبة المضروبة على الشخص، أو ألصقت بهم كما يضرب الطين على الحائط، فاليهود صاغرون أذلاء أهل مسكنة، إما على الحقيقة، وإما لتصاغرهم وتفاقرهم خيفة أن تضاعف عليهم الجزية، وهذا من جملة الاخبار بالغيب الدال على كون القرآن وحيا نازلا من السماء.
أقول: وكذا قوله: " وإذا خلا بعضهم إلى بعض " ظاهر أن هذه الأخبار كان على وجه الاعجاز، إذ المنافقون كانوا يبذلون جهدهم في إخفاء أسرارهم، وإبداء إيمانهم، وعدم اطلاع المسلمين على بواطنهم، ولو كان هذا الخبر مخالفا للواقع لأنكروا أشد الانكار، وبينوا كذبه، وظهر على سائر الخلق بتفحص أحوالهم برأتهم من ذلك، ولأنكر معاندوه صلى الله عليه وآله ذلك عليه، وهذا بين من أحوال من يدعي أمرا لا يستأهل له، ويخبر بأمور لا حقيقة لها.
وقال البيضاوي: في قوله تعالى: " قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة " خاصة بكم كما قلتم لن يدخل الجنة إلا من كان هودا " من دون الناس " أي سائرهم أو المسلمين " فتمنوا الموت إن كنتم صادقين " لان من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاقها (2) كما قال علي عليه السلام " لا أبالي سقطت على الموت أو سقط الموت علي " ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم " من موجبات النار، وهذه الجملة إخبار بالغيب، وكان كما أخبر لأنهم