بها حيث شئت، قال: أريد الشام، قال: ذلك إليك، فسار النبي صلى الله عليه وآله والعباس إلى بيت خديجة، وكان من عادته صلى الله عليه وآله إذا أراد زيارة قوم سبقه النور إلى بيتهم، فسبقه النور إلى بيت خديجة، فقالت لعبدها ميسرة: كيف غفلت عن الخيمة حتى عبرت الشمس إلى المجلس؟ قال: لست بغافل عنها، وخرج فلم يجد تغير وتد ولا طنب، ونظر إلى العباس فوجده قد أقبل هو والنبي صلى الله عليه وآله معه، فرجع وقال لها: يا مولاتي هذا الذي رأيته من أنوار محمد صلى الله عليه وآله، فجاءت خديجة لتنظر إلى محمد، فلما دخل المجلس نهض أعمامه إجلالا له، وأجلسوه في أوساطهم، فلما استقر بهم الجلوس قدمت لهم خديجة الطعام (1) فأكلوا، ثم قالت خديجة: يا سيدي أنست بك الديار، وأضاءت بك الاقدار (2)، وأشرقت من طلعتك الأنوار، أترضى أن تكون أمينا على أموالي تسير بها حيث شئت؟ قال: نعم رضيت، ثم قال: أريد الشام، قالت: ذلك إليك، وإني قد جعلت لمن يسير على أموالي مائة وقية من الذهب الأحمر، ومائة وقية من الفضة البيضاء، وجملين وراحلتين (3)، فهل أنت راض؟ فقال أبو طالب رضي الله عنه، رضي ورضينا، وأنت يا خديجة محتاجة إليه، لأنه من حين خلق ما وقف له العرب على صبوة، وأنه مكين أمين، قالت خديجة: تحسن يا سيدي تشد على الجمل وترفع عليه الأحمال؟ قال: نعم، قالت: يا ميسرة: ايتني ببعير حتى أنظر كيف يشد عليه محمد، فخرج ميسرة وأتى ببعير شديد المراس، قوي الباس، لم يجسر أحد من الرعاة أن يخرجه من بين الإبل لشدة بأسه، فأدناه ليركبه فهدر وشقشق (4) واحمرت عيناه، فقال له العباس: ما كان عندك أهون من هذا البعير؟ تريد أن تمتحن به ابن أخينا؟
فعند ذلك قال النبي صلى الله عليه وآله: دعه يا عم، فلما سمع البعير كلام البشير النذير برك على قدمي النبي صلى الله عليه وآله، وجعل يمرغ وجهه علي قدمي النبي صلى الله عليه وآله ونطق بكلام فصيح وقال: