كل يوم مرارا لفقد رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما كان في كمال الأربعين هبط جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد العلي الاعلى يقرئك السلام، وهو يأمرك أن تتأهب لتحيته وتحفته، قال النبي صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل وما تحفة رب العالمين؟ وما تحيته؟ قال: لا علم لي، قال: فبينا النبي صلى الله عليه وآله كذلك إذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطى بمنديل سندس، أو قال: إستبرق، فوضعه بين يدي النبي صلى الله عليه وآله، وأقبل جبرئيل عليه السلام وقال: يا محمد يأمرك ربك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام، فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: كان النبي صلى الله عليه وآله إذ أراد أن يفطر أمرني أن افتح الباب لمن يرد إلى الافطار، فلما كان في تلك الليلة أقعدني النبي صلى الله عليه وآله على باب المنزل، وقال: يا بن أبي طالب إنه طعام محرم إلا علي، قال علي عليه السلام:
فجلست على الباب وخلا النبي صلى الله عليه وآله بالطعام، وكشف الطبق، فإذا عذق (1) من رطب، وعنقود من عنب، فأكل النبي صلى الله عليه وآله منه شبعا، وشرب من الماء ريا، ومد يده للغسل فأفاض الماء عليه جبرئيل، وغسل يده ميكائيل، وتمند له إسرافيل، وارتفع فاضل الطعام مع الاناء إلى السماء، ثم قام النبي صلى الله عليه وآله ليصلي فأقبل عليه جبرئيل، وقال: الصلاة محرمة عليك في وقتك حتى تأتي إلى منزل خديجة فتواقعها، فإن الله عز وجل آلى (2) على نفسه أن يخلق من صلبك في هذه الليلة ذرية طيبة، فوثب رسول الله صلى الله عليه وآله إلى منزل خديجة، قالت خديجة رضوان الله عليها: وكنت قد ألفت الوحدة، فكان إذا جنتني الليل غطيت رأسي، وأسجفت (3) ستري، وغلقت بأبي، وصليت وردي (4)، وأطفأت مصباحي، وآويت إلى فراشي، فلما كان في تلك الليلة لم أكن بالنائمة ولا بالمنتبهة إذ جاء النبي صلى الله عليه وآله فقرع الباب، فناديت: من هذا الذي يقرع حلقة لا يقرعها إلا محمد صلى الله عليه وآله؟
قالت خديجة: فنادى النبي صلى الله عليه وآله بعذوبة كلامه وحلاوة منطقه: افتحي يا خديجة فإني محمد، قالت خديجة: فقمت فرحة مستبشرة بالنبي صلى الله عليه وآله، وفتحت الباب، ودخل