بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٥ - الصفحة ٣٢
فبعث عزرائيل فقال: وأنا أعوذ بعزة الله أن أعصي له أمرا "، فقبض قبضة من أعلاها و أدونها وأبيضها وأسودها وأحمرها وأخشنها وأنعمها (1)، فلذلك اختلفت أخلاقهم وألوانهم، فمنهم الأبيض والأسود والأصفر، فقال له تعالى: ألم تتعوذ منك الأرض بي، فقال: نعم، لكن لم ألتفت له فيها، وطاعتك يا مولاي أولى من رحمتي لها، فقال له الله تعالى: لم لا رحمتها كما رحمها أصحابك؟ قال: طاعتك أولى، فقال: اعلم أني أريد أن أخلق منها خلقا " أنبياء وصالحين وغير ذلك، وأجعلك القابض لأرواحهم، فبكى عزرائيل عليه السلام فقال له الحق تعالى: ما يبكيك؟ قال: إذا كنت كذلك كرهوني هؤلاء الخلائق، فقال: لا تخف إني أخلق لهم عللا فينسبون الموت إلى تلك العلل، ثم بعد ذلك أمر الله تعالى جبرئيل عليه السلام أن يأتيه بالقبضة البيضاء التي كانت أصلا "، فأقبل جبرئيل عليه السلام ومعه الملائكة الكروبيون والصافون والمسبحون، فقبضوها من موضع ضريحه وهي البقعة المضيئة المختارة من بقاع الأرض، فأخذها جبرئيل من ذلك المكان فعجنها بماء التسنيم (2) وماء التعظيم وماء التكريم وماء التكوين وماء الرحمة وماء الرضا وماء العفو، فخلق من الهداية رأسه، ومن الشفقة صدره، ومن السخاء كفيه، ومن الصبر فؤاده، ومن العفة فرجه، ومن الشرف قدميه، ومن اليقين قلبه، ومن الطيب أنفاسه، ثم خلطها بطينة آدم عليه السلام، فلما خلق الله تعالى آدم عليه السلام أوحى إلى الملائكة: (إني خالق بشرا " من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) فحملت الملائكة جسد آدم عليه السلام ووضعوه على باب الجنة وهو جسد لا روح فيه، والملائكة ينتظرون متى يؤمرون بالسجود، وكان ذلك يوم الجمعة بعد الظهر، ثم إن الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام فسجدوا إلا إبليس لعنه الله، ثم خلق الله بعد ذلك الروح وقال لها: ادخلي في هذا الجسم، فرأت الروح مدخلا " ضيقا " فوقفت، فقال لها: ادخلي كرها "، واخرجي كرها "، قال: فدخلت الروح في اليافوخ (3) إلى العينين، فجعل ينظر إلى نفسه، فسمع تسبيح

(١) أي الينها.
(٢) تسنيم قيل: هو عين في الجنة رفيعة القدر، وفسره في القرآن بقوله: (عينا يشرب بها المقربون).
(3) اليافوخ واليأفوخ: الموضع الذي يتحرك من رأس الطفل، وهو فراغ بين عظام جمجمته في مقدمتها وأعلاها لا يلبث أن تلتقي فيه العظام.
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»
الفهرست