بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٥ - الصفحة ٣٠
وسراج منير، وشفيع وحبيب، فعند ذلك انشق القلم من حلاوة ذكر محمد صلى الله عليه وآله، ثم قال القلم: السلام عليك يا رسول الله، فقال الله تعالى: وعليك السلام مني ورحمة الله وبركاته، فلأجل هذا صار السلام سنة، والرد فريضة، ثم قال الله تعالى: اكتب قضائي وقدري، وما أنا خالقه إلى يوم القيامة، ثم خلق الله ملائكة يصلون على محمد وآل محمد، ويستغفرون لامته إلى يوم القيامة، ثم خلق الله تعالى من نور محمد صلى الله عليه وآله الجنة، وزينها بأربعة أشياء:
التعظيم، والجلالة، والسخاء، والأمانة، وجعلها لأوليائه وأهل طاعته، ثم نظر إلى باقي الجوهرة بعين الهيبة فذابت، فخلق من دخانها السماوات، ومن زبدها الأرضين، فلما خلق الله تبارك وتعالى الأرض صارت تموج بأهلها كالسفينة، فخلق الله الجبال فأرساها (1) بها، ثم خلق ملكا " من أعظم ما يكون في القوة فدخل تحت الأرض، ثم لم يكن لقدمي الملك قرار فخلق الله صخرة عظيمة وجعلها تحت قدمي الملك، ثم لم يكن للصخرة قرار فخلق لها ثورا " عظيما " لم يقدر أحد ينظر إليه لعظم خلقته وبريق عيونه، حتى لو وضعت البحار كلها في إحدى منخريه ما كانت إلا كخردلة ملقاة في أرض فلاة، فدخل الثور تحت الصخرة وحملها على ظهره وقرونه، واسم ذلك الثور لهوتا، ثم لم يكن لذلك الثور قرار فخلق الله له حوتا " عظيما "، واسم ذلك الحوت به موت. فدخل الحوت تحت قدمي الثور فاستقر الثور على ظهر الحوت (2)، فالأرض كلها على كاهل الملك، والملك على الصخرة،

(١) من أرسى الوتد في الأرض: ضربه فيها، وذلك إشارة إلى قوله تعالى: (والجبال أوتادا)، أو المعنى أثبتها به، كما يثبت السفينة بالدسر والمسامير لئلا تنفسخ أجزاؤها. وتتفرق كل جزء منها في الجو.
(٢) قد ورد هذا التفصيل في أخبار من العامة، ولعل مصنف الأنوار أخذه من طريقهم، وهو يخالف العلم الحاصل لنا من القرآن العظيم وأخبار النبي والولي عليهم صلوات الله وسلامه و غيرهما الذي يدل على أن الأرض قائمة بنفسها غير محمولة ولا موضوعة على شئ، تتحرك في الفضاء، كما يشير إليه قوله تعالى: (والجبال أوتادا) إذ لو كانت مثبتة على شئ لما احتاجت إلى وتد، وكقوله تعالى: (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم) أو (أن تميد بهم) كما في سورة الأنبياء وكقوله تعالى: (ألم نجعل الأرض مهادا " والجبال أوتادا ") وغير ذلك من الآيات الدالة على ذلك، وكقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (نور السماوات والأرضين وفاطرهما ومبتدعهما بغير عمد خلقهما فاستقرت الأرضون بأوتادها فوق الماء) وقال في دعاء وداع شهر رمضان: (وبسط الأرض على الماء بلا أركان) وقال علي عليه السلام عند توصيفه خلق الأرض: (وأرساها على غير قرار، وأقامها بغير قوائم، ورفعها بغير دعائم) إلى غير ذلك مما يدل عليه، وعلى أن الأرض متحركة فان ذلك كله ينافي استقرار الأرض على جرم، ولذا ترى أن العلماء يؤولون هذا الخبر ونحوه و يصرفونه عن ظاهره بما يأتي في محله، فعلى أي فالحديث يدل إجمالا على أن للأرض قوة تجذبها عن السقوط، وأن لها حركة كحركة الحوت في الماء. والتعبير بالثور وغيره لو صح الحديث عنهم عليهم السلام رمز وإشارات إلى معان هم أعلم بها.
(٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 ... » »»
الفهرست