من أنت يا عم؟ قال: رجل من قومك، قال: حياك الله ومرحبا " بك، وسأله عن أحواله وحاجته، فرأى الرجل منه ما أعجبه، فلما أتى مكة لم يبدء بشئ حتى أتى المطلب بن عبد مناف فأصابه جالسا " في الحجر فخلا به وأخبره خبر الغلام وما رأى منه، فقال المطلب:
والله لقد أغفلته، ثم ركب قلوصا " (1) ولحق بالمدينة وقصد محلة بني النجار فإذا هو بالغلام في غلمان منهم، فلما رآه أناخ قلوصه وقصد إليه، فأخبره بنفسه، وأنه جاء للذهاب به، فما لبث أن جلس على عجز الرحل وركب المطلب القلوص ومضى به، وقيل: بل كانت أمه قد علمت بمجئ المطلب ونازعته فغلبها عليه، ومضى به إلى مكة وهو خلفه، فلما رآه قريش قامت إليه وسلمت عليه وقالوا: من أين أقبلت؟ قال: من يثرب، قالوا: ومن هذا معك؟ قال: عبد ابتعته، فلما أتى محله اشترى له حلة فألبسه إياها وأتى به في مجلس بني عبد مناف، فقال: هذا ابن أخيكم هاشم، وأخبرهم خبره، فغلب عليه عبد المطلب لقول عمه: إنه عبد ابتعته، وساد عبد المطلب قريشا "، وأذعنت له سائر العرب بالسيادة والرياسة، وأخباره مشهورة مع أصحاب الفيل، وحفر زمزم، وفي سقياه حين استسقى مرتين: مرة لقريش، ومره لقيس إلى غير ذلك من فضائله، و أخباره وأشعاره تدل على أنه كان يعلم أن سبطه محمدا " نبي، وهو ابن هاشم، واسمه عمرو، و يقال له: عمرو العلى، ويكنى أبا نضله، وإنما سمي هاشما " لهشمه الثريد (2) للحجاج، وكانت إليه الوفادة والرفادة (3) وهو الذي سن الرحلتين: رحلة الشتاء إلى اليمن و