بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٥ - الصفحة ١٢٣
من أنت يا عم؟ قال: رجل من قومك، قال: حياك الله ومرحبا " بك، وسأله عن أحواله وحاجته، فرأى الرجل منه ما أعجبه، فلما أتى مكة لم يبدء بشئ حتى أتى المطلب بن عبد مناف فأصابه جالسا " في الحجر فخلا به وأخبره خبر الغلام وما رأى منه، فقال المطلب:
والله لقد أغفلته، ثم ركب قلوصا " (1) ولحق بالمدينة وقصد محلة بني النجار فإذا هو بالغلام في غلمان منهم، فلما رآه أناخ قلوصه وقصد إليه، فأخبره بنفسه، وأنه جاء للذهاب به، فما لبث أن جلس على عجز الرحل وركب المطلب القلوص ومضى به، وقيل: بل كانت أمه قد علمت بمجئ المطلب ونازعته فغلبها عليه، ومضى به إلى مكة وهو خلفه، فلما رآه قريش قامت إليه وسلمت عليه وقالوا: من أين أقبلت؟ قال: من يثرب، قالوا: ومن هذا معك؟ قال: عبد ابتعته، فلما أتى محله اشترى له حلة فألبسه إياها وأتى به في مجلس بني عبد مناف، فقال: هذا ابن أخيكم هاشم، وأخبرهم خبره، فغلب عليه عبد المطلب لقول عمه: إنه عبد ابتعته، وساد عبد المطلب قريشا "، وأذعنت له سائر العرب بالسيادة والرياسة، وأخباره مشهورة مع أصحاب الفيل، وحفر زمزم، وفي سقياه حين استسقى مرتين: مرة لقريش، ومره لقيس إلى غير ذلك من فضائله، و أخباره وأشعاره تدل على أنه كان يعلم أن سبطه محمدا " نبي، وهو ابن هاشم، واسمه عمرو، و يقال له: عمرو العلى، ويكنى أبا نضله، وإنما سمي هاشما " لهشمه الثريد (2) للحجاج، وكانت إليه الوفادة والرفادة (3) وهو الذي سن الرحلتين: رحلة الشتاء إلى اليمن و

(1) القلوص من الإبل: الطويلة القوائم. الشابة منها أو الباقية على السير.
(2) هشم الثريد لقومه أي كسر الخبز وفنه وبله بالمرق فجعله ثريدا فهو هاشم.
(3) قال ابن هشام: كانت الرفادة خرجا تخرجه قريش في كل موسم من أموالها إلى قصي بن كلاب فيصنع به طعاما للحاج، فيأكله من لم يكن له سعة ولا زاد، وذلك أن قصيا فرضه على قريش، فقال لهم حين أمرهم به: يا معشر قريش انكم جيران الله، وأهل بيته، وأهل الحرم، وأن الحجاج ضيف الله، و (أهله) وزوار بيته، وهم أحق الضيف بالكرامة، فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج حتى يصدروا، فكانوا يخرجون لذلك كل عام من أموالهم خرجا فيدفعونه إليه، فيصنعه طعاما للناس أيام منى إه‍.
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»
الفهرست