بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٥ - الصفحة ١١٨
ثم قال: ثم استمر التوحيد في ولد إبراهيم وإسماعيل، قال الشهرستاني في الملل والنحل:
كان دين إبراهيم قائما والتوحيد في صدر العرب شائعا، وأول من غيره واتخذ عبادة الأصنام عمرو بن لحي، وقال عماد الدين ابن كثير في تاريخه: كانت العرب على دين إبراهيم عليه السلام إلى أن ولى عمرو بن عامر الخزاعي مكة، وانتزع ولاية البيت من أجداد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأحدث عمرو المذكور عبادة الأصنام وشرع للعرب الضلالات، وتبعته العرب على الشرك، و فيهم بقايا من دين إبراهيم، وكانت مدة ولاية خزاعة على البيت ثلاث مائة سنة وكانت ولايتهم مشؤومة إلى أن جاء قصي جد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقاتلهم وانتزع ولاية البيت عنهم، الا أن العرب بعد ذلك لم ترجع عما كان أحدثه عمرو الخزاعي.
فثبت أن آباء النبي صلى الله عليه وآله من عهد إبراهيم عليه السلام إلى زمان عمرو المذكور كلهم مؤمنون بيقين، ونأخذ الكلام على الباقي. ثم ذكر آياتا لاثبات ذلك وعقبها بأحاديث منها:
ما ورد في تفسير قوله تعالى: (وجعلها كلمة باقية في عقبه) تدل على أن التوحيد كان باقيا في ذرية إبراهيم عليه السلام ولم يزل ناس من ذريته على الفطرة يعبدون الله تعالى حتى تقوم الساعة وأحاديث في تفسير قوله: (واجنبني وبنى أن نعبد الأصنام) تدل على أن الله استجاب لإبراهيم عليه السلام دعوته في ولده فلم يعبد أحد من ولده صنما بعد دعوته، وحديثا في تفسير قوله تعالى: (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريني) يدل على أنه لن تزال من ذرية إبراهيم ناس على الفطرة يعبدون الله تعالى، ثم ذكر آثارا تدل على أن عدنان ومعد وربيعة ومضر وخزيمة والياس وكعب بن لوى وغيرهم كانوا مسلما، ثم قال: فحصل مما أوردناه أن آباء النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عهد إبراهيم إلى كعب بن لوى كانوا كلهم على دين إبراهيم عليه السلام، وولده مرة بن كعب الظاهر أنه كذلك لان أباه أوصاه بالايمان، وبقى بينه وبين عبد المطلب أربعة آباء وهم كلاب وقصي وعبد مناف وهاشم، ولم أظفر فيهم بنقل لا بهذا ولا بهذا، وأما عبد المطلب ففيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لم تبلغه الدعوة، والثاني: أنه كان على التوحيد وملة إبراهيم وهو ظاهر عموم قول الإمام فخر الدين وما تقدم من الأحاديث. والثالث: أن الله أحياه بعد بعثة النبي عليه السلام حتى آمن به وأسلم ثم مات، حكاه ابن سيد الناس، وهذا أضعف الأقوال، ووجدت في بعض كتب المسعودي اختلافا في عبد المطلب وأنه قد قيل فيه: مات مسلما لما رأى من الدلائل على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلم أنه لا يبعث الا بالتوحيد، وقال الشهرستاني في الملل والنحل: ظهر نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أسارير عبد المطلب بعض الظهور، وببركة ذلك النور الهم النذر في ذبح ولده، وببركته كان يأمر ولده بترك الظلم والبغي، ويحثهم على مكارم الأخلاق، وينهاهم عن دنيات الأمور، وببركة ذلك النور كان يقول في وصاياه: انه لن يخرج من الدنيا ظلوم حتى ينتقم منه وتصيبه عقوبة إلى أن هلك رجل ظلوم لم تصبه عقوبة، فقيل بعبد المطلب في ذلك، ففكر في ذلك فقال: والله وراء هذه الدار دار يجزى فيها المحسن باحسانه، ويعاقب فيها المسئ بإساءته، وببركة ذلك النور قال لأبرهة: ان لهذا البيت ربا يحفظه، ومنه قال وقد صعد أبا قبيس:
لاهم ان المرء يمنع رحله فامنع حلالك * لا يغلبن صليبهم ومحالهم عدوا محالك فانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك انتهى كلام الشهرستاني.
ثم ذكر أمورا " تدل على ايمان عبد المطلب إلى أن قال: ثم رأيت الامام أبا الحسن الماوردي أشار إلى نحو ما ذكره الامام فخر الدين الا أنه لم يصرح كتصريحه، فقال في كتابه أعلام النبوة: لما كان أنبياء الله صفوة عباده وخيرة خلقه لما كلفهم من القيام بحقه والارشاد لخلقه استخلصهم من أكرم العناصر، واجتباهم بمحكم الأوامر فلم يكن لنسبهم من قدح، ولمنصبهم من جرح، ليكون القلوب أصغى، والنفوس لهم أوطأ، فيكون الناس إلى اجابتهم أسرع، ولأوامرهم أطوع، وان الله استخلص رسوله صلى الله عليه وآله من أطيب المناكح، وحماه من دنس الفواحش، ونقله من أصلاب طاهرة إلى أرحام منزهة، وقد قال ابن عباس في تأويل قول الله تعالى: (وتقلبك في الساجدين):
أي تقلبك من أصلاب طاهرة من أب بعد أب إلى أن جعلك نبيا، فكان نور النبوة ظاهرا " في آبائه، وإذ أخبرت حال نسبه وعرفتطهارة مولده علمت أنه سلالة آباء كرام ليس في آبائه مسترذل و لا مغمور مسبل، بل كلهم سادة قادة، وشرف النسب وطهارة المولد من شروط النبوة انتهى كلام الماوردي بحروفه، قلت: ثم فصل السيوطي الكلام حول ذلك وحول أمهاته صلى الله عليه وآله وسلم وصنف أيضا في ذلك كتابه الدرج المنيفة في الاباء الشريفة، وكتابه المقامة السندسية في النسبة المصطفوية، وكتابه التعظيم والمنة في أن أبوى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة، و كتابه السبل الجلية في الاباء العلية، وصنف كتاب نشر العلمين المنيفين في احياء الأبوين الشريفين رد فيه على من جزم بأن الحديث الذي ورد في احيائهما موضوع، وصنف كتاب أنباء الأذكياء في حياة الأنبياء عليهم السلام. قلت: وممن صرح بايمان عبد المطلب وغيره المسعودي واليعقوبي وغيرهما.