لركوب المعاصي، والحلماء لترك التناهي، ألا وقد قطعتم قيد الاسلام، وعطلتم حدوده وأمتم أحكامه.
ألا وقد أمرني الله بقتال أهل البغي والنكث والفساد في الأرض، فأما الناكثون فقد قاتلت، وأما القاسطون فقد جاهدت، وأما المارقة (1) فقد دوخت، وأما شيطان الردهة فقد كفيته بصعقة سمعت لها وجبة قلبه، ورجة صدره، وبقيت بقية من أهل البغي، (2) ولئن أذن الله تعالى في الكرة (3) عليهم لأديلن منهم إلا ما يتشذر في أطراف البلاد تشذرا.
أنا وضعت في الصغر بكلاكل العرب، (4) وكسرت نواجم قرون ربيعة ومضر، وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا وليد (5) يضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، (6) ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل، (7) ولقد قرن الله سبحانه به من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم علما من أخلاقه، (8) ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء (9) فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول