فسمع ذلك بخت نصر فأرسل إلى ملك مصر: ابعث بهم إلي مصفدين وإلا آذنتك بالحرب.
فلما سمع أرميا عليه السلام بذلك أدركته الرحمة لهم، فبادر إليهم لينقذهم، فورد عليهم وقال: إن الله تعالى جل ذكره أوحى إلي أني مظهر بخت نصر على هذا الملك، وآية ذلك أنه تعالى أراني موضع سرير بخت نصر الذي يجلس عليه بعد ما يظفر بمصر، ثم عمد فدفن أربعة أحجار في ناحية من الأرض، فصار إليهم بخت نصر فظفر بهم وأسرهم، فلما أراد أن يقسم الفئ ويقتل الأسارى ويعتق منهم كان منهم أرميا، فقال له بخت نصر:
أراك مع أعدائي بعد ما عرضتك له من الكرامة؟ فقال له أرميا عليه السلام: إني جئتهم مخوفا أخبرهم خبرك، وقد وضعت لهم علامة تحت سريرك هذا وأنت بأرض بابل، ارفع سريرك فإن تحت كل قائمة من قوائمه حجرا دفنته بيدي وهم ينظرون، فلما رفع بخت نصر سريره وجد مصداق ما قال، فقال لارميا عليه السلام: إني لأقتلنهم إذ كذبوك ولم يصدقوك فقتلهم ولحق بأرض بابل، فأقام أرميا بمصر مدة، فأوحى الله تعالى إليه: الحق بإيليا، فانطلق حتى إذا رفع له شخص بيت المقدس ورأي خرابا عظيما، قال: " أنى يحيي هذه الله " فنزل في ناحية واتخذ مضجعا ثم نزع الله روحه وأخفى مكانه على جميع الخلائق مائة عام، وكان قد وعده الله أنه سيعيد فيها الملك والعمران، فلما مضى سبعون عاما أذن الله في عمارة إيليا فأرسل الله ملكا إلى ملك من ملوك فارس يقال له كوشك، (1) فقال:
إن الله يأمرك أن تنفر بقوتك ورجالك حتى تنزل إيليا فتعمرها، فندب الفارسي لذلك ثلاثين ألف قهرمان، (2) ودفع إلى كل قهرمان ألف عامل بما يصلح لذلك من الآلة والنفقة، فسار بهم فلما تمت عمارتها بعد ثلاثين سنة أمر عظام أرميا أن يحيى، فقام حيا كما ذكره الله في كتابه. (3) بيان: ثابر: واظب.