شمعون البلدة متنكرا وجعل يعاشر حاشية الملك حتى أنسوا به، فرفع خبره إلى الملك (1) فدعاه فرضي عشرته وأنس به وأكرمه، ثم قال له ذات يوم: أيها الملك بلغني أنك حبست رجلين في السجن وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك، فهل كلمتهما وسمعت قولهما؟ فقال الملك: حال الغضب بيني وبين ذلك، قال: فإن رأى الملك دعاهما حتى يتطلع ما عندهما، (2) فدعاهما الملك فقال لهما شمعون: من أرسلكما إلى ههنا؟ قالا: الله الذي خلق كل شئ وليس له شريك، قال لهما شمعون: فصفاه وأوجزا، فقالا: إنه يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، قال شمعون: وما آيتكما؟ قالا له: ما تتمناه، فأمر الملك حتى جاؤوا بغلام مطموس العينين، موضع عينيه كالجبهة، فما زالا يدعوان ربهما حتى انشق موضع البصر، فأخذا بندقتين من الطين فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين يبصر بهما، فتعجب الملك فقال شمعون للملك: إن أنت سألت (3) إلهك حتى يصنع صنيعا مثل هذا فيكون لك ولإلهك شرفا، فقال له الملك: ليس لي عنك سر، إن إلهنا الذي نعبده لا يبصر ولا يسمع ولا يضر ولا ينفع! وكان شمعون إذا دخل الملك بيت الصنم يدخل بدخوله ويصلي كثيرا ويتضرع حتى ظنوا أنه على ملتهم، فقال الملك للرسولين:
إن قدر إلهكما الذي تعبدانه على إحياء ميت آمنا به وبكما، قالا: إلهنا قادر على كل شئ، فقال الملك: إن ههنا ميتا مات منذ سبعة أيام ابن لدهقان وأنا أخذته ولم أدفنه حتى يرجع أبوه وكان غائبا، فجاؤوا بالميت وقد تغير وأروح، وجعلا يدعوان ربهما علانية، وجعل شمعون يدعو ربه سرا، فقام الميت وقال: إني قد مت منذ سبعة أيام وأدخلت في سبعة أودية من النار، وأنا أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا بالله، ثم قال: فتحت أبواب السماء فنظرت فرأيت شابا حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة؟ قال الملك: ومن الثلاثة؟ قال: شمعون وهذان، وأشار إلى صاحبيه، فتعجب الملك، فلما علم شمعون أن قوله قد أثر في الملك أخبره بالحال ودعاه فآمن قوم، (4) وكان الملك فيمن آمن،