كما لا يجوز أن يقال: أنت خير الآلهة، لما لم يكن غيره إلها " قال الله " مجيبا له إلى ما التمسه: " إني منزلها " يعني المائدة " عليكم فمن يكفر بعد منكم " أي بعد إنزالها عليكم " فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين " قيل في معناه أقوال:
أحدها: أراد عالمي زمانهم (1) فجحد القوم وكفروا بعد نزولها فمسخوا قردة و خنازير، عن قتادة، وروي عن أبي الحسن موسى عليه السلام أنهم مسخوا خنازير.
وثانيها أنه أراد عذاب الاستيصال.
وثالثها: أنه أراد جنسا من العذاب لا يعذب به أحدا غيرهم، وإنما استحقوا هذا النوع من العذاب بعد نزول المائدة لأنهم كفروا بعد ما رأوا الآية التي هي من أزجر الآيات عن الكفر بعد سؤالهم لها، فاقتضت الحكمة اختصاصهم بفن من العذاب عظيم الموقع، كما اختصت آيتهم بفن من الزجر عظيم الموقع.
القصة. اختلف العلماء في المائدة هل نزلت أم لا؟ فقال الحسن ومجاهد: إنها لم تنزل، وإن القوم لما سمعوا الشرط استعفوا من نزولها، وقالوا: لا نريدها ولا حاجة لنا فيها، فلم تنزل، والصحيح أنها نزلت لقوله سبحانه: " إني منزلها عليكم " ولا يجوز أن يقع في خبره الخلف، ولان الاخبار قد استفاضت عن النبي والصحابة والتابعين في أنها نزلت، قال كعب: إنها نزلت يوم الأحد، ولذلك اتخذه النصارى عيدا، واختلفوا في كيفية نزولها وما عليها، فروي عن عمار بن ياسر، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: نزلت المائدة خبزا ولحما، وذلك أنهم سألوا عيسى عليه السلام طعاما لا ينفد يأكلون منها، قال: فقيل لهم:
فإنها مقيمة لكم ما لم تخونوا أو تخبؤوا (2) وترفعوا، فإن فعلتم ذلك عذبتم، قال:
فما مضى يومهم حتى خبؤوا ورفعوا وخانوا.
وقال ابن عباس: إن عيسى بن مريم قال لبني إسرائيل: صوموا ثلاثين يوما، ثم سلوا الله ما شئتم يعطكموه، (3) فصاموا ثلاثين يوما، فلما فرغوا قالوا: يا عيسى إنا لو عملنا