تعالى بالقدرة الغالبة، كلوا مما سألتم يمددكم ويزدكم من فضله، وقال الحواريون: يا روح الله لو أريتنا من هذه الآية اليوم آية أخرى، فقال عيسى عليه السلام: يا سمكة أحيي بإذن الله، فاضطربت السمكة وعاد عليها فلوسها وشوكها ففزعوا منها، فقال عيسى عليه السلام: مالكم تسألون أشياء إذا أعطيتموها كرهتموها؟! ما أخوفني عليكم أن تعذبوا، يا سمكة عودي كما كنت بإذن الله، فعادت السمكة مشوية كما كانت، قالوا: يا روح الله كن أول من يأكل منها ثم نأكل نحن، فقال عيسى: معاذ الله أن آكل منها، ولكن يأكل منها من سألها، فخافوا أن يأكلوا منها، فدعا لها عيسى عليه السلام أهل الفاقة والزمنى والمرضى و المبتلين فقال: كلوا منها ولكم الهناء ولغيركم البلاء، فأكل منها ألف وثلاث مائة رجل وامرأة من فقير ومريض ومبتلى وكلهم شبعان يتجشى، ثم نظر عيسى عليه السلام إلى السمكة فإذا هي كهيئتها كما نزلت من السماء، ثم طارت المائدة صعدا وهم ينظرون إليها حتى توارت عنهم فلم يأكل منها يومئذ زمن إلا صح، ولا مريض إلا برئ، ولا فقير إلا استغنى ولم يزل غنيا حتى مات، وندم الحواريون ومن لم يأكل منها، وكانت إذا نزلت اجتمع الأغنياء والفقراء والصغار والكبار يتزاحمون عليها، فلما رأى ذلك عيسى عليه السلام جعلها نوبة بينهم، فلبثت أربعين صباحا تنزل ضحى فلا تزال منصوبة يؤكل منها حتى إذا فاء الفئ (1) طارت صعدا وهم ينظرون في ظلها حتى توارت عنهم، وكانت تنزل غبا: يوما ويوما لا، فأوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام اجعل مائدتي للفقراء دون الأغنياء فعظم ذلك على الأغنياء حتى شكوا وشككوا الناس فيها، فأوحى الله تعالى إلى عيسى:
إني شرطت على المكذبين شرطا: إن من كفر بعد نزولها أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين، فقال عيسى: " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " فمسخ منهم ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين رجلا باتوا من ليلهم على فرشهم مع نسائهم في ديارهم فأصبحوا خنازير، يسعون في الطرقات والكناسات، ويأكلون العذرة في الحشوش، (2) فلما رأى الناس ذلك فزعوا إلى عيسى عليه السلام وبكوا وبكى على الممسوخين