وقال رحمه الله في قوله تعالى: " إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء " قيل فيه أقوال:
أحدها: أن يكون معناه: هل يفعل ربك ذلك بمسألتك إياه لتكون علما على صدقك؟ ولا يجوز أن يكونوا شكوا في قدرة الله سبحانه على ذلك، لأنهم كانوا عارفين مؤمنين، وكأنهم سألوه ذلك ليعرفوا صدقه وصحة أمره من حيث لا يعترض عليهم (1) فيه إشكال ولا شبهة، ومن ثم قالوا: " وتطمئن قلوبنا " كما قال إبراهيم عليه السلام " ولكن ليطمئن قلبي " عن أبي علي الفارسي.
وثانيها: أن المراد: هل يقدر ربك؟ وكان هذا في ابتداء أمرهم قبل أن يستحكم معرفتهم بالله، ولذلك أنكر عليهم عيسى عليه السلام فقال: " اتقوا الله إن كنتم مؤمنين " لأنهم لم يستكمل إيمانهم في ذلك الوقت.
وثالثها: أن يكون معناه: هل يستجيب لك ربك؟ وإليه ذهب السدي في قوله:
يريد: هل يطيعك ربك إن سألته؟ وهذا على أن يكون استطاع بمعنى أطاع كما يكون استجاب بمعنى أجاب.
قال الزجاج: يحتمل مسألة الحواريين عيسى المائدة ضربين: أحدهما أن يكونوا أرادوا أن يزدادوا تثبيتا، كما قال إبراهيم عليه السلام: " رب أرني كيف تحيي الموتى (2) " وجائز أن تكون مسألتهم المائدة قبل علمهم أنه أبرأ الأكمه والأبرص و أحيا الموتى.
" قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين " معناه: اتقوا الله أن تسألوه شيئا لم تسأله الأمم قبلكم، وقيل: معناه الامر بالتقوى مطلقا، كما أمر الله سبحانه المؤمنين بها في قوله:
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله (3) " عن أبي علي الفارسي، وقيل: أمرهم أن لا يقترحوا