يمشي وراءه، فاجتازوا على قوم فقالوا: هذا شيخ قاسي القلب، قليل الرحمة، يركب هو الدابة وهو أقوى من هذا الصبي، ويترك هذا الصبي يمشي وراءه، وإن هذا بئس التدبير! فقال لولده: سمعت قولهم وإنكارهم لركوبي ومشيك؟ فقال: نعم، فقال: اركب أنت يا ولدي حتى أمشي أنا، فركب ولده ومشى لقمان، فاجتازوا على جماعة أخرى فقالوا: هذا بئس الوالد وهذا بئس الولد، أما أبوه فإنه ما أدب هذا الصبي حتى يركب الدابة ويترك والده يمشي وراءه، والوالد أحق بالاحترام والركوب، وأما الولد فإنه عق والده بهذه الحال، فكلاهما أساءا في الفعال! فقال لقمان لولده: سمعت؟
فقال: نعم، فقال: نركب معا الدابة، فركبا معا فاجتازا على جماعة فقالوا: ما في قلب هذين الراكبين رحمة، ولا عندهم من الله خير، يركبان معا الدابة يقطعان ظهرها و يحملانها مالا تطيق، لو كان قد ركب واحد ومشى واحد كان أصلح وأجود، فقال: سمعت؟
فقال: نعم، فقال: هات حتى نترك الدابة تمشي خالية من ركوبنا، فساقا الدابة بين أيديهما وهما يمشيان فاجتازا على جماعة فقالوا: هذا عجيب من هذين الشخصين، يتركان دابة فارغة تمشي بغير راكب ويمشيان! وذموهما على ذلك كما ذموهما على كل ما كان، فقال لولده: ترى في تحصيل رضاهم حيلة لمحتال؟ فلا تلتفت إليهم، واشتغل برضى الله جل جلاله، ففيه شغل شاغل، وسعادة وإقبال في الدنيا ويوم الحساب والسؤال. (1)