علمناه من لدنا علما * قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني (1) مما علمت رشدا " قال له الخضر: " إنك لن تستطيع معي صبرا " لأني وكلت بعلم لا تطيقه، ووكلت أنت بعلم لا أطيقه، قال موسى: بل أستطيع معك صبرا، فقال له الخضر: إن القياس لا مجال له في علم الله وأمره " وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا " قال موسى: " ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا " فلما استثنى المشية قبله، قال: " فإن اتبعتني فلا تسألني عن شئ حتى احدث لك منه ذكرا " فقال موسى عليه السلام: لك ذلك علي " فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها " الخضر عليه السلام فقال له موسى عليه السلام: " أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا * قال ألم أقل " لك " إنك لن تستطيع معي صبرا " قال موسى: " لا تؤاخذني بما نسيت " أي بما تركت من أمرك " ولا ترهقني من أمري عسرا * فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله " الخضر عليه السلام، فغضب موسى وأخذ بتلبيبه وقال له: " أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا " قال له الخضر: إن العقول لا تحكم على أمر الله تعالى ذكره، بل أمر الله يحكم عليها فسلم لما ترى مني واصبر عليه، فقد كنت علمت أنك لن تستطيع معي صبرا، قال موسى: " إن سألتك بعدها عن شئ (2) فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا * فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية " وهي الناصرة وإليها تنسب النصارى " استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض " فوضع الخضر عليه السلام يده عليه " فأقامه " فقال له موسى: " لو شئت لاتخذت عليه أجرا " قال له الخضر: " هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا " فقال: " أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة " صالحة (3) " غصبا " فأردت بما فعلت أن تبقى لهم ولا يغصبهم الملك عليها، فنسب الإبانة في هذا الفعل إلى نفسه لعلة ذكر التعييب، لأنه أراد أن يعيبها عند الملك إذا شاهدها، فلا يغصب المساكين عليها، و أراد الله عز وجل صلاحهم بما أمره به من ذلك.
(٢٨٧)