إلا احترق، فلم يزل يحرقها ورعاءها حتى أتى على آخرها، فلما فرغ منها تمثل إبليس براعيها ثم انطلق يؤم أيوب حتى وجده قائما يصلي، فقال: يا أيوب، قال: لبيك، قال: هل تدري ما الذي صنع ربك الذي اخترته وعبدته بإبلك ورعائها؟ قال أيوب:
أيها إنها ماله أعارنيه وهو أولى به إذا شاء تركه، وإن شاء نزعه، وقديما ما وطنت نفسي ومالي على الفناء.
فقال إبليس: فإن ربك أرسل عليها نارا من السماء فاحترقت كلها فترك الناس مبهوتين وقوفا عليها يتعجبون منها، منهم من يقول: ما كان أيوب يعبد شيئا وما كان إلا في غرور، ومنهم من يقول: لو كان إله أيوب يقدر على أن يصنع شيئا لمنع وليه; (1) ومنهم من يقول: بل هو الذي فعل ما فعل يشمت به عدوه ويفجع به صديقه. قال أيوب: الحمد لله حين أعطاني وحين نزع مني، عريانا خرجت من بطن أمي، وعريانا أعود في التراب، و عريانا أحشر إلى الله تعالى، ليس ينبغي لك أن تفرح حين أعارك الله وتجزع حين قبض عاريته، الله أولى بك وبما أعطاك، ولو علم الله فيك أيها العبد خيرا لقبل روحك (2) مع تلك الأرواح، فآجرني فيك وصرت شهيدا، ولكنه علم منك شرا فأخرك الله وخلصك من البلاء كما يخلص الزؤان (3) من القمح الخالص; فرجع إبليس لعنه الله إلى أصحابه خاسئا ذليلا فقال لهم: ماذا عندكم من القوة فإني لم أكلم قلبه؟ قال عفريت من عظمائهم: عندي من القوة ما إذا شئت صحت صوتا لا يسمعه ذو روح إلا خرجت مهجة نفسه، قال له إبليس فأت الغنم ورعاءها، فانطلق يؤم الغنم ورعاءها حتى إذا توسطها صاح صوتا تجثمت أمواتا من عند آخرها (4) ومات رعاؤها، ثم خرج إبليس متمثلا بقهرمان (5) الرعاء حتى جاء أيوب وهو قائم يصلي فقال له القول الأول ورد عليه أيوب الرد الأول.
ثم إن إبليس رجع إلى أصحابه فقال لهم: ماذا عندكم من القوة فإني لم أكلم