قال وهب: إن لجبرئيل عليه السلام بين يدي الله تعالى مقاما ليس لأحد من الملائكة في القربة والفضيلة، وإن جبرئيل هو الذي يتلقى الكلام، فإذا ذكر الله تعالى عبدا بخير تلقاه جبرئيل، ثم لقاه ميكائيل وحوله الملائكة المقربون حافين من حول العرش، (1) فإذا شاع ذلك في الملائكة المقربين شاعت الصلوات على ذلك العبد من أهل السماوات، فإذا صلت عليه ملائكة السماوات هبطت عليه بالصلوات إلى ملائكة الأرض وكان إبليس لعنه الله لا يحجب عن شئ من السماوات، وكان يقف فيهن حيثما أراد، ومن هناك وصل إلى آدم حين أخرجه من الجنة، فلم يزل على ذلك يصعد في السماوات حتى رفع الله تعالى عيسى بن مريم عليه السلام فحجب من أربع، وكان يصعد في ثلاث فلما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وآله حجب من الثلاث الباقية فهو وجنوده محجوبون من جميع السماوات إلى يوم القيامة إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب ثاقب، قال: فلما سمع إبليس تجاوب الملائكة بالصلوات على أيوب عليه السلام وذلك حين ذكره الله تعالى وأثنى عليه فأدركه البغي والحسد فصعد سريعا حتى وقف من السماء موقفا كان يقفه، فقال: يا إلهي نظرت في أمر عبدك أيوب فوجدته عبدا أنعمت عليه فشكرك، وعافيته فحمدك، ثم لم تجر به بشدة وبلاء (2) و أنا لك زعيم لئن ضربته ببلاء ليكفرن بك ولينسينك، فقال الله تعالى: انطلق فقد سلطتك على ماله، فانقض عليه عدو الله حتى وقع إلى الأرض، ثم جمع عفاريت الشياطين وعظماءهم فقال لهم: ماذا عندكم من القوة والمعرفة فإني قد سلطت على مال أيوب وهي المصيبة الفادحة (3) والفتنة التي لا يصبر عليها الرجال؟ قال عفريت من الشياطين: أعطيت من القوة ما إذا شئت تحولت إعصارا (4) من نار وأحرقت كل شئ آتي عليه، فقال له إبليس فأت الإبل ورعاءها، فانطلق يؤم الإبل وذلك حين وضعت رؤوسها وثبتت في مراعيها فلم يشعر الناس حتى ثار من تحت الأرض إعصار من - نار تنفح منها أرواح السموم لا يدنو منها أحد
(٣٥٧)