بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٢ - الصفحة ٣٦٢
لأولئك بدليل على سخطه عليهم ولا لهوانه لهم، (1) ولكنها كرامة وخيرة لهم، ولو كان أيوب ليس من الله تعالى بهذه المنزلة إلا أنه أخ آخيتموه على وجه الصحبة لكان لا يجمل يالحليم أن يعذل (2) أخاه عند البلاء، ولا يعيره بالمصيبة، ولا يعيبه بمالا يعلم وهو مكروب حزين، ولكنه يرحمه ويبكي معه ويستغفر له ويحزن لحزنه، ويدل على مراشد أمره، وليس بحكيم ولا رشيد من جهل هذا، فالله الله أيها الكهول وقد كان في عظمة الله وجلاله وذكر الموت ما يقطع ألسنتكم ويكسر قلوبكم، ألم تعلموا أن الله تعالى عبادا أسكتتهم خشيته من غير عي ولا بكم، وإنهم لهم الفصحاء والبلغاء والأولياء النبلاء الألباء (3) العالمون بالله وبآياته، ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انقطعت ألسنتهم، واقشعرت جلودهم، وانكسرت قلوبهم وطاشت عقولهم (4) إعظاما لله وإعزازا وإجلالا فإذا استفاقوا استبقوا إلى الله تعالى بالاعمال الزاكية يعدون أنفسهم مع الخاطئين والظالمين وإنهم لأبرار، ومع المقصرين المفرطين (5) وإنهم لاكياس أقوياء ولكنهم لا يستكثرون لله الكثير، ولا يرضون له بالقليل، ولا يدلون عليه بالاعمال، (6) فهم مروعون خاشعون مستكينون. فقال أيوب عليه السلام: إن الله تعالى يزرع الحكمة بالرحمة في قلب الصغير والكبير، (7) فمتى تنبت في القلب يظهر الله تعالى على اللسان، وليست تكون الحكمة من قبل السن والشيبة ولا طول التجربة، وإذا جعل الله تعالى العبد حكيما في الصغر لم تسقط منزلته عند الحكماء وهم يرون من الله تعالى عليه نور الكرامة.
ثم أقبل أيوب عليه السلام على الثلاثة فقال: أتيتموني غضابا، رهبتم قبل أن تسترهبوا،

(1) في المصدر: ثم إن بلاءهم ليس دليلا على سخطه عليهم ولا هوانهم عليه.
(2) عذله: لامه.
(3) في المصدر: وانهم لهم الفصحاء النبلاء البلغاء الألباء.
(4) أي ذهبت عقولهم.
(5) في المصدر: وإنهم برآء ويعدون أنفسهم مع المفرطين المقصرين.
(6) أي لا يمنون ولا يفتخرون عليه بأعمالهم.
(7) في المصدر: في قلب المؤمن الكبير والصغير.
(٣٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 357 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 ... » »»
الفهرست