بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٢ - الصفحة ٣٥٥
أشهرا يختلف الدواب في جسده إلى شرح طويل نصون كتابنا عن ذكر تفصيله، فمن يقبل عقله هذا الجهل والكفر كيف يوثق بروايته؟ ومن لا يعلم أن الله تعالى لا يسلط إبليس على خلقه وأن إبليس لا يقدر على أن يقرح الأجساد ولا أن يفعل الأمراض كيف يعتمد روايته؟ فأما هذه الأمراض النازلة بأيوب عليه السلام فلم يكن إلا اختبارا وامتحانا وتعريضا للثواب بالصبر عليها والعوض العظيم النفيس في مقابلتها، وهذه سنة الله تعالى في أصفيائه وأوليائه، فقد روي عن الرسول صلى الله عليه وآله أنه قال - وقد سئل أي الناس أشد بلاء؟ - فقال:
الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل من الناس. فظهر من صبره على محنته وتماسكه ما صار إلى الان مثلا حتى روي أنه كان في خلال ذلك كله شاكرا محتسبا ناطقا بماله فيه من المنفعة والفائدة، وأنه ما سمعت له شكوى ولا تفوه بتضجر ولا تبرم، فعوضه الله تعالى مع نعيم الآخرة العظيم الدائم أن رد عليه ماله وأهله وضاعف عددهم في قوله:
" وآتيناه أهله ومثلهم معهم " وفي سورة ص: " ووهبنا له أهله ومثلهم معهم " ثم مسح ما به و شفاه وعافاه، وأمره على ما وردت به الرواية يركض رجله الأرض فظهرت عين اغتسل منها فتساقط ما كان على جسده من الداء، قال الله: " اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب " والركض هو التحريك، ومنه ركضت الدابة. انتهى كلامه أعلى الله مقامه. (1) أقول: لا أعرف وجها لهذا الانكار الفظيع والتشنيع على تلك الرواية، ولا أعرف فرقا بين ما صدر من أشقياء الانس بالنسبة إلى الأنبياء حيث خلاهم الله مع إرادتهم بمقتضى حكمته الكاملة ولم يمنعهم عنها وبين ما نقل من تسليط إبليس في تلك الواقعة، والجواب مشترك، نعم لا يجوز أن يتسلط الشيطان على أديانهم كما دلت عليه الآيات، وأما الأبدان فلم يقم دليل على نفي تسلطه عليها أحيانا لضرب من المصلحة، وكيف لا وهو الذي يغري جميع الأشرار في قتل الأخيار وإضرارهم، وأيضا أي دليل قام على امتناع قدرة إبليس على فعل يوجب تقريح الأجساد وحدوث الأمراض، وأي فرق بين الشياطين والانس في ذلك؟ نعم لو قيل بعدم ثبوت بعض الخصوصيات من جهة الاخبار لأمكن ذلك لكن الحكم بنفيها بمجرد الاستبعاد غير موجه والله يعلم.

(٣٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 350 351 352 353 354 355 356 357 358 359 360 ... » »»
الفهرست