مجرى المضار التي لا يختص إطلاق ذكرها بجهة دون جهة، ولهذا يقال للظالم المبتدي بالظلم: إنه معذب ومضر ومولم، وربما قيل: معاقب على سبيل المجاز، وليس لفظة العذاب بجارية مجرى لفظة العقاب، لان لفظة العقاب يقتضي بظاهرها الجزاء، لأنها من التعقيب والمعاقبة، ولفظة العذاب ليست كذلك، فأما إضافته ذلك إلى الشيطان وإنما ابتلاه الله تعالى به فله وجه صحيح، لأنه لم يضف المرض والسقم إلى الشيطان وإنما أضاف إليه ما كان يستضر من وسوسته ويتعب به من تذكيره له ما كان فيه من النعم و العافية والرخاء، ودعائه له إلى التضجر والتبرم (1) بما هو عليه، ولأنه كان أيضا يوسوس إلى قومه بأن يستفذروه ويتجنبوه لما كان عليه من الأمراض البشعة المنظر ويخرجوه من بينهم، وكل هذا ضرر من جهة اللعين إبليس.
وقد روي أن زوجته عليه السلام كانت تخدم الناس في منازلهم وتصير إليه بما يأكله و يشربه وكان الشيطان يلقي إليهم أن داءه يعدي، ويحسن إليهم تجنب خدمة زوجته من حيث كانت تباشر قروحه وتمس جسده، وهذه مضار لا شبهة فيها، فأما قوله تعالى في سورة الأنبياء: " وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين * فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين " فلا ظاهر لها أيضا يقتضي ما ذكروه، لان الضر هو الضرر الذي قد يكون محنة كما يكون عقوبة فأما ما روي في هذا الباب عن جملة المفسرين فمما لا يلتفت إلى مثله، لان هؤلاء لا يزالون يضيفون إلى ربهم تعالى وإلى رسله عليهم السلام كل قبيح، ويقرفونهم (2) بكل عظيم، وفي روايتهم هذه السخيفة ما إذا تأمله المتأمل علم أنه موضوع باطل مصنوع، لأنهم رووا أن الله تعالى سلط إبليس على مال أيوب عليه السلام وغنمه وأهله، فلما أهلكهم ودمر عليهم ورأي صبره وتماسكه قال إبليس لربه: يا رب إن أيوب قد علم أنه ستخلف له ماله و ولده فسلطني على جسده، فقال: قد سلطتك على جسده إلا قلبه وبصره، قال: فأتاه فنفخه من لدن قرنه إلى قدمه فصار قرحة واحدة، فقذف على كناسة لبني إسرائيل سبع سنين و