بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٢ - الصفحة ٣٢٤
ثم قال قدس الله روحه: مسألة: فإن قال: فلم أرسل يعقوب عليه السلام يوسف مع إخوته مع خوفه عليه منهم، وقوله: " أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون " وهل هذا إلا تغرير به ومخاطرة؟
الجواب: قيل له: ليس يمتنع أن يكون يعقوب لما رأى من بنيه ما رأى من الايمان والعهود والاجتهاد في الحفظ والرعاية لأخيهم ظن مع ذلك السلامة، وغلب النجاة بعد أن كان خائفا مغلبا لغير السلامة، وقوي في نفسه أن يرسله معهم إشفاقه من إيقاع الوحشة والعداوة بينهم، لأنه إذا لم يرسله مع الطلب منهم والحرص علموا أن سبب ذلك هو التهمة لهم والخوف من ناحيتهم واستوحشوا منه ومن يوسف عليه السلام وانضاف هذا الداعي إلى ما ظنه من السلامة والنجاة فأرسله. (1) مسألة: فإن قال: فما معنى قولهم ليعقوب عليه السلام: " وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين " وكيف يجوز أن ينسبوه إلى أنه لا يصدق الصادق ويكذبه؟
الجواب: إنهم لما علموا على مرور الأيام شدة تهمة أبيهم لهم وخوفه على أخيهم منهم لما كان يظهر منهم من أمارات الحسد والنفاسة أيقنوا بأنه يكذبهم فيما أخبروا به من أكل الذئب أخاهم فقالوا له: إنك لا تصدقنا في هذا الخبر لما سبق إلى قلبك من تهمتنا وإن كنا صادقين، وقد يفعل مثل ذلك المخادع المماكر إذا أراد أن يوقع في قلب من يخبره بالشئ ليصدقه فيقول له: أنا أعلم أنك لا تصدقني في كذا وكذا وإن كنت صادقا، وهذا بين.
مسألة: فإن قال: فلم أسرف يعقوب عليه السلام في الحزن والتهلك وترك التماسك حتى ابيضت عيناه من البكاء؟ ومن شأن الأنبياء التجلد (2) والتصبر وتحمل الأثقال و لهذه الحالة ما عظمت منازلهم وارتفعت درجاتهم. (3) الجواب: قيل له: إن يعقوب عليه السلام بلي وامتحن في ابنه بما لم يمتحن به أحد

(١) تنزيه الأنبياء: ٤٥ - 46. م (2) التجلد: تكلف الجلد والصبر.
(3) هكذا في النسخ; وفى المصدر: ولولا هذه الحال ما عظمت منازلهم وارتفعت درجاتهم. وهو الصحيح.
(٣٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 ... » »»
الفهرست