بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٢ - الصفحة ٣٢٣
وقد كانوا أنبياء؟ فإن قلتم: لم يكونوا أنبياء في الحال قيل لكم: وأي منفعة في ذلك لكم وأنتم تذهبون إلى أن الأنبياء لا يواقعون القبائح قبل النبوة ولا بعدها؟ قلنا:
لم يقم الحجة بأن إخوة يوسف الذين فعلوا به ما فعلوه كانوا أنبياء في حال من الأحوال، وإذا لم يقم بذلك الحجة جاز على هؤلاء الاخوة من فعل القبيح ما يجوز على كل مكلف لم تقم حجة بعصمته، وليس لاحد أن يقول: كيف تدفعون نبوتهم والظاهر أن الأسباط من بني يعقوب كانوا أنبياء؟ لأنه لا يمتنع أن يكون الأسباط الذين كانوا أنبياء غير هؤلاء الاخوة الذين فعلوا بيوسف ما قصه الله تعالى عنهم، وليس في ظاهر الكتاب أن جميع إخوة يوسف وسائر أسباط يعقوب كادوا يوسف عليه السلام بما حكاه الله تعالى من الكيد، وقد قيل: إن هؤلاء الاخوة في تلك الحال لم يكونوا بلغوا الحلم ولا توجه إليهم التكليف، وقد يقع ممن قارب البلوغ من الغلمان مثل هذه الأفعال، وقد يلزمهم بعض العتاب واللوم، فإن ثبت هذا الوجه سقطت المسألة أيضا مع تسليم أن هؤلاء الاخوة كانوا أنبياء في المستقبل انتهى كلامه رحمه الله. (1) أقول: الأظهر في الجواب هو ما أومئ إليه من أن التفضيل بين الأولاد في العطاء والمحبة والاكرام إذا كان لأمر ديني ولفضيلة واقعية لم يدل دليل على كونه مرجوحا، بل دلت الأخبار المعتبرة على رجحانه كما سيأتي في بابه، فعلى هذا لا حرج في تفضيل يعقوب يوسف مع علمه بأنه سيكون من الأنبياء والصديقين عليهم، ولا يوجب العلم بحسد الاخوة ترك أمر راجح ديني يقتضيه العقل والشرع، وأما خطأ الاخوة فقد عرفت بما مر من الاخبار أنهم لم يكونوا من الأنبياء، (2) وذهب كثير من العامة أيضا إلى ذلك، فلا يستبعد منهم صدور الذنب، ولكن دلت الآية ظاهرا والاخبار صريحا على أنهم فارقوا الدنيا تائبين مغفورين كما عرفت.

(١) تنزيه الأنبياء: ٤٣ - 45. م (2) وأما قوله تعالى: " قولوا آمنا بالله وما انزل الينا وما انزل إلى إبراهيم " إلى قوله:
" والأسباط " فالمراد يوسف وداود وسليمان عليهم السلام; وقوله تعالى: " وأوحينا إلى إبراهيم و إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط " فالمراد يوسف عليه السلام فتأمل.
(٣٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 ... » »»
الفهرست