وأما الذين نسبوا المعصية إلى يوسف عليه السلام فقد ذكروا في تفسير ذلك البرهان أمورا:
الأول: قالوا: إن المرأة قامت إلى صنم مكلل بالدر والياقوت في زاوية البيت فسترته بثوب، فقال يوسف: ولم؟ قالت: أستحي من إلهي هذا أن يراني على المعصية، فقال يوسف: تستحى من صنم لا يعقل ولا يسمع، ولا أستحي من إلهي القائم على كل نفس بما كسبت؟! فوالله لا أفعل ذلك أبدا، قالوا: فهذا هو البرهان.
الثاني: نقلوا عن ابن عباس أنه مثل له يعقوب فرآه عاضا على أصابعه ويقول له:
أتعمل عمل الفجار وأنت مكتوب في زمرة الأنبياء؟ فاستحيى منه، قالوا: هو قول عكرمة ومجاهد والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك ومقاتل وابن سيرين، قال سعيد بن جبير:
تمثل له يعقوب فضرب في صدره فخرجت شهوته من أنامله.
الثالث: قالوا: إنه سمع في الهواء قائلا يقول: يا ابن يعقوب لا تكن كالطير يكون له ريش فإذا زنى ذهب ريشه.
والرابع: نقلوا عن ابن عباس أن يوسف لم يزدجر برؤية صورة يعقوب حتى ركضه جبرئيل عليه السلام فلم يبق فيه شئ من الشهوة إلا خرج.
ولما نقل الواحدي هذه الروايات تصلف (1) وقال: هذا الذي ذكرناه قول أئمة التفسير الذين أخذوا التأويل عمن شاهد التنزيل، فيقال له: إنك لا تأتينا البتة إلا بهذه التصلفات التي لا فائدة فيها، فأين الحجة والدليل؟ وأيضا فإن ترادف الدلائل على الشئ الواحد جائز، وإنه عليه السلام كان ممتنعا عن الزنا بحسب الدلائل الأصلية، فلما انضاف إليها هذه الزواجر قوي الانزجار وكمل الاحتراز، والعجب أنهم نقلوا أن جروا (2) دخل تحت حجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وبقي هناك بغير علمه، قالوا: فامتنع جبرئيل من الدخول عليه أربعين يوما.
وههنا زعموا أن يوسف حال اشتغاله بالفاحشة ذهب إليه جبرئيل، والعجب أيضا أنهم زعموا أنه لم يمتنع عن ذلك العمل بسبب حضور جبرئيل! ولو أن أفسق الخلق وأكفرهم