السقاية هي المشربة التي كان يشرب منها الملك، ثم جعل صاعا في السنين الشداد القحاط يكال به الطعام; وقيل: كان من ذهب، عن أبي زيد وروي عن أبي عبد الله عليه السلام; وقيل:
كان من فضة، عن ابن عباس والحسن; وقيل: كان من فضة مرصعة بالجواهر، عن عكرمة انتهى.
وأما قوله: " أيتها العير إنكم لسارقون " فالظاهر إنه كان على وجه المصلحة تورية، وكان وجه التورية فيه ما ورد في الاخبار أنه كان غرضه عليه السلام أنكم سرقتم يوسف من أبيه; وقيل: إنما قال ذلك بعض من فقد الصاع من قوم يوسف من غير أمره; وقيل: إن الكلام يجوز أن يكون خارجا مخرج الاستفهام كأنه قال: أئنكم لسارقون؟ فأسقطت الهمزة، والأول هو الموافق لما ورد فيه من الاخبار.
قال الطبرسي رحمه الله: ومتى قيل: كيف جاز ليوسف أن يحزن والده وإخوته بهذا الصنيع ويجعلهم متهمين بالسرقة؟ فالجواب أن الغرض فيه التسبب إلى احتباس أخيه عنده، ويجوز أن يكون ذلك بأمر من الله، وروي أنه أعلم أخاه بذلك ليجعله طريقا إلى التمسك به، وإذا كان إدخال هذا الحزن سببا مؤديا إلى إزالة غموم كثيرة عن الجميع ولا شك أنه يتعلق به المصلحة فقد ثبت جوازه، وأما التعرض للتهمة بالسرقة فغير صحيح فإن وجود السقاية في رحله يحتمل أمورا كثيرة غير السرقة، فعلى هذا من حمله على السرقة مع علمه بأنهم أولاد الأنبياء توجهت اللائمة عليه انتهى. (1) أقول: العمدة في هذا الباب أن بعد ثوبت العصمة بالبراهين القاطعة لا مجال للاعتراض عليهم في أمثال ذلك، ولكل منها وجوه ومحامل يمكن حمله عليها بحيث لا ينافي علو شأنهم.
قوله. " قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه " أي قال إخوة يوسف: جزاء السرقة السارق وهو الانسان الذي وجد المسروق في رحله، ومعناه أن السنة كانت في آل يعقوب أن يستخدم السارق ويسترق على قدر سرقته، وفي دين الملك الضرب والضمان; وقيل: كان يسترق سنة. وقوله: " وكذلك نجزي الظالمين " تأكيد لبيان اطراد هذا الحكم