أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما أتوه موثقهم قال " يعقوب: " الله على ما نقول وكيل " فخرجوا وقال لهم يعقوب: " لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغنى عنكم من الله من شئ إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون * ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شئ إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون " (1) بيان: قال البيضاوي: " فعرفهم وهم له منكرون " (2) أي عرفهم يوسف ولم يعرفوه لطول العهد ومفارقتهم إياه في سن الحداثة، ونسيانهم إياه، وتوهمهم أنه هلك، وبعد حاله التي رأوه عليها من حاله حين فارقوه، وقلة تأملهم في حلاه من التهيب والاستعظام.
وقال في قوله: " اجعلوا بضاعتهم في رحالهم " إنما فعل ذلك توسيعا وتفضلا عليهم، وترفعا من أن يأخذ ثمن الطعام منهم، وخوفا من أن لا يكون عند أبيه ما يرجعون به. قوله:
" منع منا الكيل " أي حكم بمنعه بعد هذا إن لم نذهب ببنيامين. قوله: " ما نبغي " أي ماذا نطلب؟ هل من مزيد على ذلك؟ أكرمنا وأحسن مثوانا، وباع منا ورد علينا متاعنا; أو لا نطلب وراء ذلك إحسانا; أولا نبغي في القول ولا نزيد فيما حكينا لك من إحسانه. قوله:
" إلا أن يحاط بكم " أي إلا أن تغلبوا فلا تطيقوا ذلك، أو إلا أن تهلكوا جميعا. قوله " لا تدخلوا من باب واحد " المشهور بين المفسرين أنه إنما قال ذلك لما خاف عليهم من العين; وقيل: لما اشتهروا بمصر بالحسن والجمال وإكرام الملك لهم خاف عليهم حسد الناس; وقيل: لم يأمن عليهم من أن يخافهم الملك فيحبسهم; وقيل: إنه عليه السلام كان عالما بأن ملك مصر ولده يوسف إلا أن الله تعالى لم يأذن له في إظهار ذلك، فلما بعث أبناءه إليه قال: " لا تدخلوا من باب واحد " وكان غرضه أن يصل بنيامين إلى يوسف في وقت الخلوة.