قوله عز وجل: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا) يعني أعمى عن الحقائق الموجودة، وقد علم ذو والألباب أن الاستدلال على ما هناك لا يكون إلا بما ههنا، من أخذ علم ذلك برأيه وطلب وجوده وإدراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك إلا بعدا، لان الله عز وجل جعل علم ذلك خاصة عند قوم يعقلون ويعلمون ويفهمون.
قال عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن الابداع أخلق هو أم غير خلق؟ قال له الرضا (عليه السلام): بل خلق ساكن لا يدرك بالسكون، وإنما صار خلقا لأنه شئ محدث، والله الذي أحدثه فصار خلقا له وإنما هو الله عز وجل وخلقه لا ثالث بينهما، ولا ثالث غيرهما، فما خلق الله عز وجل لم يعد أن يكون خلقه، وقد يكون الخلق ساكنا ومتحركا ومختلفا ومؤتلفا ومعلوما ومتشابها، وكل ما وقع عليه حد فهو خلق الله عز وجل، واعلم أن كل ما أوجدتك الحواس فهو معنى مدرك للحواس، وكل حاسة تدل على ما جعل الله عز وجل لها في إدراكها، والفهم من القلب بجميع ذلك كله.
واعلم أن الواحد الذي هو قائم بغير تقدير ولا تحديد خلق خلقا مقدرا بتحديد وتقدير، وكان الذي خلق خلقين اثنين: التقدير والمقدر، وليس في واحد منهما لون ولا وزن ولا ذوق فجعل أحدهما يدرك بالآخر، وجعلهما مدركين بنفسهما، ولم يخلق شيئا فردا قائما بنفسه دون غيره للذي أراد من الدلالة على نفسه وإثبات وجوده، فالله تبارك وتعالى فرد واحد لا ثاني معه يقيمه ولا يعضده ولا يكنه، والخلق يمسك بعضه بعضا بإذن الله ومشيته، وإنما اختلف الناس في هذا الباب حتى تاهوا وتحيروا وطلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة في وصفهم الله بصفة أنفسهم فازدادوا من الحق بعدا، ولو وصفوا الله عز وجل بصفاته ووصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين ولما اختلفوا، فلما طلبوا من ذلك ما تحيروا فيه ارتبكوا فيه (1) والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
قال عمران: يا سيدي اشهد أنه كما وصفت، ولكن بقيت لي مسالة، قال: