الثالث: أن يكون المراد بالكائن الحادث المعلول، والمراد معلوميته عند الصانع بصورة حاصلة منه فيه، وحاصل الجواب على هذا أن المخلوق إذا أراد صنع شئ يصوره أولا في نفسه لعجزه عن الآيتان بكل ما يريد، ولامكان وجود ما يخالفه ويعارضه فيما يريده، فيصوره في نفسه على وجه لا يعارضه شئ في حصول ما أراد منه وينفي الموانع عن نفسه بتحديد ما علم منه، وأما الصانع تعالى فهو لا يحتاج إلى ذلك لكمال قدرته، ولعدم تخيل الموانع عن الايجاد ثمة، بل إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له: كن فيكون، فليس المراد نفي العلم رأسا، بل نفي العلم على الوجه الذي تخيله السائل بوجه يوافق فهمه، وضمير (منها) راجع إلى الشئ الكائن باعتبار النفس أو إلى النفس، أي علما ناشئا من النفس.
الرابع: أن يكون المراد الحادث معلوما لنفسه عند نفسه قبل وجوده، لا كونه معلوما لصانعه، فالجواب أن الشئ بعد وجوده وتشخصه يكون معلوما لنفسه على وجه يمتاز عن غيره، وأما الاعدام ففي مرتبة عدمها لا يكون بينها تمييز حتى يحتاج كل عدم إلى العلم بامتيازه عن غيره، والحاصل أن الامتياز العيني للشئ لا يكون إلا بعد وجوده، لافتقار وجوده إلى التميز عن غيره مما يخالفه في ذاته وتشخصه، و أما امتيازه في علمه تعالى فليس على نحو الوجود العيني، فلا يستلزم علم كل حادث هناك بنفسه، كما يكون لذوي العقول بعد وجودها.
قوله (عليه السلام): (بأي شئ علم ما علم؟ بضمير أم بغير ذلك؟) أي بصورة ذهنية حصلت في الذهن أم بغيرها؟ فأجاب (عليه السلام) بأن العلم لو لم يكن إلا بحصول صورة لشئ فالعلم بالمعلوم لابد أن يكون موقوفا على العلم بالصورة التي هي آلة ملاحظة المعلوم وتحديدها وتصويرها، قال عمران: لابد من ذلك؟ فقال (عليه السلام): لابد لك أن تعرف تلك الصورة وحقيقتها فبين لنا حقيقتها، فلما عجز عن الجواب ألزم (عليه السلام) عليه الايراد بوجه آخر: وهو أنه على قولك إنه لا بد لكل معلوم أن يعرف بصورة فالصورة أيضا معلوم لابد أن تعرف بصورة أخرى، وهكذا إلى ما لا نهاية له، و إن قلت: إن الصورة تعرف بنفسها بالعلم الحضوري من غير احتياج إلى صورة أخرى