يدركونها إلى ذاته تعالى بوجه وإلا يلزم أن يكون الخلق عابدين للأسماء والصفات لا لله تعالى، لان صفاته وأسماءه المدركة غيره تعالى، فهذه الصفات المدركة وإن كانت مخالفة بالحقيقة له تعالى لكنها آلة لملاحظته ووسيلة للانتقال إليه وتوجه العبادة نحوه. والمعلمة: محل العلم والادراك من القوى والمشاعر، ويمكن أن يقرأ على صيغة اسم الفاعل.
قوله: (لمعناه) الضمير راجع إلى الخلق، أي لقصد الخلق إليه، أو إلى الله فيكون بدلا من الضمير، والأظهر: (لا تدرك معناه). قوله: (إن الله جل وتقدس موجود في الآخرة) مأخوذ من الوجدان، أي يعرفونه ويجدونه بالبصر، واستدل (عليه السلام) على ذلك بأنه لو كان إدراكه بالبصر نقصا له كما هو الواقع لم يدرك في الآخرة أيضا به، ولو كان كمالا له لكان مبصرا في الدنيا أيضا. قوله: (عن الحقائق الموجودة) أي المدركة.
قوله: (على ما هناك) أي ما عند الله تعالى من صفاته إلا بما ههنا أي لا يمكن الاستبداد في معرفته تعالى بالعقل، بل لابد من الرجوع في ذلك إلى ما أوحى إلى أنبيائه (عليهم السلام)، ويحتمل أن يكون المراد بقوله: (هناك) الآخرة، وبقوله: (ههنا) الدنيا، أي إنما يقاس أحوال الآخرة بالدنيا، فكيف يجوز رؤيته تعالى في الآخرة مع استحالته في الدنيا، والأول أظهر كما يدل عليه ما بعده.
قوله (عليه السلام): (بل خلق ساكن) أي نسبة وإضافة بين العلة والمعلول، فكأنه ساكن فيهما، أو عرض قائم بمحل لا يمكنه مفارقته.
وقوله: (لا يدرك بالسكون) أي أمر اعتباري إضافي ينتزعه العقل ولا يشار إليه في الخارج، وإنما قلنا: إنه خلق لأن هذه النسبة والتأثير غيره تعالى، وهو محدث، وكل محدث معلول، فلا تتوهم أنه خلق يحتاج إلى تأثير آخر، وهكذا حتى يتسلسل، بل ليس في الحقيقة إلا الرب ومخلوقه الذي أوجده، والايجاد معنى صار سببا لوجود المعلول بتأثيره تعالى، فكل شئ خلقه الله لم يعد ولم يتجاوز أن يصدق عليه أن الله خلقه، فهذا هو معنى الابداع لاغير، وهذا المعنى يقع عليه حد، وكل ما يقع عليه حد فهو خلق الله.