يزل واحدا كائنا لا شئ معه بلا حدود ولا أعراض، ولا يزال كذلك، ثم خلق خلقا مبتدعا مختلفا بأعراض وحدود مختلفة، لا في شئ أقامه، ولا في شئ حده، ولا على شئ حذاه ومثله له، فجعل الخلق من بعد ذلك صفوة وغير صفوة، واختلافا وايتلافا، وألوانا وذوقا وطعما، لا لحاجة كانت منه إلى ذلك، ولا لفضل منزلة لا يبلغها إلا به، ولا رأى لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصانا، تعقل هذا يا عمران؟ قال: نعم والله يا سيدي.
قال: واعلم يا عمران إنه لو كان خلق ما خلق لحاجة لم يخلق إلا من يستعين به على حاجته، ولكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق، لان الأعوان كلما كثروا كان صاحبهم أقوى، والحاجة يا عمران لا يسعها لأنه لم يحدث من الخلق شيئا إلا حدثت فيه حاجة أخرى، ولذلك أقول: لم يخلق الخلق لحاجة، ولكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم إلى بعض، وفضل بعضهم على بعض بلا حاجة منه إلى من فضل، ولا نقمة منه على من أذل فلهذا خلق.
قال عمران: يا سيدي هل كان الكائن معلوما في نفسه عند نفسه؟ (1) قال الرضا (عليه السلام): إنما يكون المعلمة بالشئ لنفي خلافه، وليكون الشئ نفسه بما نفي عنه موجودا، ولم يكن هناك شئ يخالفه فتدعوه الحاجة إلى نفي ذلك الشئ عن نفسه بتحديد ما علم منها، أفهمت يا عمران؟ قال: نعم والله يا سيدي، فأخبرني بأي شئ علم ما علم؟ أبضمير أم بغير ذلك؟ (2) قال الرضا عليهما السلام: أرأيت إذا علم بضمير هل تجد بدا من أن تجعل لذلك الضمير حدا تنتهي إليه المعرفة؟ قال عمران: لا بد من ذلك، قال الرضا (عليه السلام): فما ذلك الضمير؟ فانقطع عمران ولم يحر جوابا. قال الرضا (عليه السلام): لا بأس إن سألتك عن الضمير نفسه تعرفه بضمير آخر، فقلت: نعم (3) أفسدت