القرطي (1): يقول الله تعالى ذلك بين النفختين حين يفني الخلائق كلها ثم يجيب نفسه لأنه بقي وحده، والأول أصح لأنه بين أنه يقول ذلك يوم التلاق يوم يبرز العباد من قبورهم، وإنما خص ذلك اليوم بأن له الملك فيه لأنه قد ملك العباد بعض الأمور في الدنيا، ولا يملك أحد شيئا ذلك اليوم.
فإن قيل: أليس يملك الأنبياء والمؤمنون في الآخرة الملك العظيم؟ فالجواب أن أحدا لا يستحق إطلاق الصفة بالملك إلا الله تعالى، لأنه يملك جميع الأمور من غير تمليك مملك، وقيل: إن المراد به يوم القيامة قبل تمليك أهل الجنة ما يملكهم " اليوم تجزى كل نفس ما كسبت " يجزى المحسن بإحسانه والمسئ بإساءته، وفي الحديث: إن الله تعالى يقول: أنا الملك، أنا الديان، لا ينبغي لاحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولا لاحد من أهل النار أن يدخل النار وعنده مظلمة حتى أقصه منه، ثم تلا هذه الآية: " لا ظلم اليوم " أي لا ظلم لاحد على أحد، ولا ينقص من ثواب أحد، ولا يزاد في عقاب أحد " إن الله سريع الحساب " لا يشغله محاسبة واحد عن محاسبة غيره " وأنذرهم يوم الآزفة " أي الدانية، وهو يوم القيامة لان كل ما هو آت دان قريب، وقيل: يوم دنو المجازاة " إذ القلوب لدى الحناجر " وذلك أنها تزول عن مواضعها من الخوف حتى تصير إلى الحنجرة " كاظمين " أي مغمومين مكروبين ممتلين غما، قد أطبقوا أفواههم على ما في قلوبهم من شدة الخوف " ما للظالمين من حميم " يريد: ما للمشركين والمنافقين من قريب ينفعهم " ولا شفيع يطاع " فيهم فتقبل شفاعته " يعلم خائنة الأعين " أي خيانتها وهي مسارقة النظر إلى ما لا يحل النظر إليه " وما تخفي الصدور " ويعلم