أنه لا يمكن الجمع بين الايمان بما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وبين إنكار الحشر الجسماني قلت:
ولا الجمع بين القول بقدم العالم على ما يقوله الفلاسفة وبين الحشر الجسماني لان النفوس الناطقة على هذا التقدير غير متناهية فيستدعي حشرها جميعا أبدانا غير متناهية، وأمكنة غير متناهية وقد ثبت تناهي الابعاد بالبرهان وباعترافهم، يحشر الأجساد ويعاد فيها الأرواح بإعادة البدن المعدوم بعينه عند المتكلمين بل أكثرهم، وبأن تجمع أجزاؤه المتفرقة كما كانت أولا عند بعضهم، وهم الذين ينكرون جواز إعادة المعدوم موافقة للفلاسفة، وإذا استحال إعادة المعدوم تعين الوجه الثاني وهو أن يكون بجمع الاجزاء المتفرقة وتأليفها كما كانت أولا.
لا يقال: لو ثبت استحالة إعادة المعدوم لزم بطلان الوجه الثاني أيضا لان أجزاء بدن الشخص كبدن زيد مثلا وإن لم يكن له جزء صوري لا يكون بدن زيد إلا بشرط اجتماع خاص وشكل معين، فإذا تفرقت أجزاؤه وانتفى الاجتماع والشكل المعينان لم يبق بدن زيد، ثم إذا أعيد فإما أن يعاد ذلك الاجتماع والشكل بعينهما أولا، وعلى الأول يلزم إعادة المعدوم، وعلى الثاني لا يكون المعاد بعينه هو البدن الأول بل مثله، وحينئذ يكون تناسخا، ومن ثم قيل: ما من مذهب إلا وللتناسخ فيه قدم راسخ.
لأنا نقول: إنما يلزم التناسخ إذا لم يكن البدن المحشور مؤلفا من الأجزاء الأصلية للبدن الأول، أما إذا كان كذلك فلا يستحيل إعادة الروح إليه، وليس ذلك من التناسخ، وإن سمي ذلك تناسخا كان مجرد اصطلاح، فإن الذي دل على استحالته تعلق نفس زيد ببدن آخر لا يكون مخلوقا من أجزاء بدنه، وأما تعلقه بالبدن المؤلف من أجزائه الأصلية بعينها مع تشكلها بشكل مثل الشكل السابق فهو الذي نعنيه بالحشر الجسماني، وكون الشكل والاجتماع غير السابق لا يقدح في المقصود وهو حشر الأشخاص الانسانية بأعيانها، فإن زيدا مثلا شخص واحد محفوظ وحدته الشخصية من أول عمره إلى آخره بحسب العرف والشرع ولذلك يؤاخذ شرعا وعرفا بعد التبدل بما لزمه قبل، وكما لا يتوهم أن في ذلك تناسخا لا ينبغي أن يتوهم في هذه الصورة أيضا، وإن كان الشكل مخالفا للشكل الأول كما ورد في