هذا الكلام مشعر بأن إثباته للمعاد الروحاني ليس من حيث الحكمة، بل هو من حيث الشريعة، فإن التمسك بالدلائل النقلية ليس من وظائف الفلسفة، فلا يتوهم أن إثباته من المسائل الحكمية وهو أراد أن يجمع بين الفلسفة والشريعة.
فذلكة: اعلم أن خلاصة القول في ذلك هو أن للناس في تفرق الجسم واتصاله مذاهب: فالقائلون بالهيولى يقولون بانعدام الصورة الجسمية والنوعية وبقاء الهيولي عند تفرق الجسم، والنافون للهيولى والجزء الذي لا يتجزى كالمحقق الطوسي رحمه الله يقولون بعدم انعدام جزء من الجسم عند التفرق، بل ليس الجسم إلا الصورة وهي باقية في حال الاتصال والانفصال، وكذا القائلون بالجزء يقولون ببقاء الاجزاء عند التفرق والاتصال، فأما على القول الأول فلا بد في القول بإثبات المعاد بمعنى عود الشخص بجميع أجزائه من القول بإعادة المعدوم، وأما القائلون بالأخيرين فقد ظنوا أنهم قد تفصوا عن ذلك ويمكنهم القول بالحشر الجسماني بهذا المعنى مع عدم القول بجواز إعادة المعدوم، وفيه نظر إذ ظاهر أنه إذا احرق جسد زيد وذرت الرياح ترابه لا يبقى تشخص زيد وإن بقيت الصورة والاجزاء، بل لابد في عود الشخص بعينه من عود تشخصه بعد انعدامه كما مرت الإشارة إليه، نعم ذكر بعض المتكلمين أن تشخص الشخص إنما يقوم بأجزائه الأصلية المخلوقة من المني، وتلك الأجزاء باقية في مدة حياة الشخص وبعد موته وتفرق أجزائه، فلا يعدم التشخص، وقد مضى ما يومئ إليه من الاخبار، وعلى هذا فلو انعدم بعض العوارض الغير المشخصة وأعيد غيرها مكانها لا يقدح في كون الشخص باقيا بعينه، فإذا تمهد هذا فاعلم أن القول بالحشر الجسماني على تقدير عدم القول بامتناع إعادة المعدوم حيث لم يتم الدليل عليه بين لا إشكال فيه، وأما على القول به فيمكن أن يقال: يكفي في المعاد كونه مأخوذا من تلك المادة بعينها أو من تلك الأجزاء بعينها لا سيما إذا كان شبيها بذلك الشخص في الصفات والعوارض بحيث لو رأيته لقلت: إنه فلان إذ مدار اللذات والآلام على الروح ولو بواسطة الآلات، وهو باق بعينه ولا تدل النصوص إلا على إعادة ذلك الشخص بمعنى أنه يحكم عليه عرفا أنه ذلك الشخص كما أنه يحكم على الماء الواحد إذا افرغ في إنائين إنه هو الماء الذي كان في إناء