وكفرهم، بل يعترفون به فيدخلون النار باعترافهم، وإنما لا يكتمون لعلمهم بأنه لا ينفعهم الكتمان، وإنما يقولون: " والله ربنا ما كنا مشركين " في بعض الأحوال، فإن للقيامة مواطن وأحوالا، (1) ففي موطن لا يسمع كلامهم إلا همسا، وفي موطن ينكرون ما فعلوه من الكفر والمعاصي ظنا منهم أن ذلك ينفعهم، وفي موطن يعترفون بما فعلوه، عن الحسن.
وثالثها أن المراد أنهم لا يقدرون على كتمان شئ من الله تعالى لان جوارحهم تشهد عليهم بما فعلوه، فالتقدير: لا تكتمه جوارحهم وإن كتموه هم.
ورابعها أن المراد: ودوا لو تسوى بهم الأرض وأنهم لم يكونوا كتموا أمر محمد صلى الله عليه وآله وبعثه، عن عطا.
وخامسها أن الآية على ظاهرها، فالمراد: ولا يكتمون الله شيئا لأنهم ملجؤون إلى ترك القبائح والكذب، وقولهم: " والله ربنا ما كنا مشركين " عند أنفسنا لأنهم كانوا يظنون في الدنيا أن ذلك ليس بشرك من حيث تقربهم إلى الله، عن البلخي. وفي قوله تعالى: " ويوم نبعث من كل أمة شهيدا " يعني يوم القيامة بين سبحانه أنه يبعث فيه من كل أمة شهيدا وهم الأنبياء والعدول من كل عصر يشهدون على الناس بأعمالهم.
وقال الصادق عليه السلام: لكل زمان وأمة إمام تبعث كل أمة مع إمامها.
وفائدة بعث الشهداء مع علم الله سبحانه بذلك أن ذلك أهول في النفس، و أعظم في تصور الحال، وأشد في الفضيحة إذا قامت الشهادة بحضرة الملا مع جلالة الشهود وعدالتهم عند الله تعالى، ولأنهم إذا علموا أن العدول عند الله يشهدون عليهم بين يدي الخلائق فإن ذلك يكون زجرا لهم عن المعاصي، وتقديره: واذكر يوم نبعث.
" ثم لا يؤذن للذين كفروا " أي لا يؤذن لهم في الكلام والاعتذار، أو لا يؤذن لهم في الرجوع إلى الدنيا، أو لا يسمع منهم العذر، يقال: أذنت له أي استمعت " ولا هم يستعتبون " أي لا يسترضون ولا يستصلحون، لان الآخرة ليست بدار تكليف، ومعناه: لا يسألون أن يرضوا الله بالكف عن معصية يرتكبونها.