استكبروا " الآية، أنكروا أنهم كانوا صادين لهم عن الايمان، وأثبتوا أنهم هم الذين صدوا أنفسهم حيث أعرضوا عن الهدى وآثروا التقليد عليه " وقال الذين استضعفوا " الآية إضراب عن إضرابهم أي لم يكن أجرامنا الصد بل مكركم لنا دائبا ليلا ونهارا حتى أغرتم علينا رأينا " وأسروا الندامة " أي وأضمر الفريقان الندامة على الضلال و الاضلال وأخفاها كل عن صاحبه مخافة التعيير، أو أظهروها فإنه من الأضداد، إذ الهمزة تصلح للاثبات والسلب كما في أشكيته.
وفي قوله عز وجل: " ويوم نحشرهم جميعا ": المستكبرين والمستضعفين " ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون " تقريعا للمشركين وتبكيتا لهم (1) وإقناطا لهم عما يتوقعون من شفاعتهم، وتخصيص الملائكة لأنهم أشرف شركائهم والصالحون للخطاب منهم، ولان عبادتهم مبدء الشرك وأصله، وقرأ حفص بالياء فيهما " قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم " أنت الذي نواليه من دونهم، لا موالاة بيننا وبينهم كأنهم بينوا بذلك برأتهم من الرضا بعبادتهم، ثم أضربوا عن ذلك ونفوا أنهم عبدوهم على الحقيقة بقولهم: " بل كانوا يعبدون الجن " أي الشياطين، حيث أطاعوهم في عبادة غير الله، وقيل: كانوا يتمثلون ويخيلون إليهم أنهم الملائكة فيعبدونهم " أكثرهم بهم مؤمنون " الضمير الأول للانس أو للمشركين والأكثر بمعنى الكل، والثاني للجن.
وفي قوله سبحانه: " ولو ترى إذ فزعوا ": عند الموت، أو البعث، أو يوم بدر، وجواب " لو " محذوف لرأيت أمرا فظيعا " فلا فوت " فلا يفوتون الله بهرب أو تحصن " واخذوا من مكان قريب " من ظهر الأرض إلى بطنها، أو من الموقف إلى النار، أو من صحراء بدر إلى القليب (2) " وقالوا آمنا به " بمحمد " وأنى لهم التناوش " ومن أين لهم أن يتناولوا الايمان تناولا سهلا؟ " من مكان بعيد " فإنه في حيز التكليف، وقد بعد عنهم، وهو تمثيل حالهم في الاستخلاص بالايمان بعد ما فات وبعد عنهم بحال من يريد أن يتناول الشئ من غلوة تناوله من ذراع " وقد كفروا به " بمحمد أو بالعذاب " من قبل " من قبل ذلك