أكثر أهل الملل ولم ينكره من المسلمين إلا شرذمة قليلة لا عبرة بهم، وقد انعقد الاجماع على خلافهم سابقا ولاحقا، والأحاديث الواردة فيه من طرق العامة والخاصة متواترة المضمون، وكذا بقاء النفوس بعد خراب الأبدان مذهب أكثر العقلاء من المليين و الفلاسفة، ولم ينكره إلا فرقة قليلة كالقائلين بأن النفس هي المزاج وأمثاله ممن لا يعبأ بهم ولا بكلامهم، وقد عرفت ما يدل عليه من الاخبار الجلية وقد أقيمت عليه البراهين العقلية، ولنذكر بعض كلمات علماء الفريقين في المقامين.
قال نصير الملة والدين قدس الله روحه في التجريد: عذاب القبر واقع لامكانه وتواتر السمع بوقوعه.
وقال العلامة الحلي نور الله ضريحه في شرحه: نقل عن ضرار أنه أنكر عذاب القبر، والاجماع على خلافه.
وقال الشيخ المفيد رحمه الله في أجوبة المسائل السروية - حيث سئل: ما قوله أدام الله تأييده في عذاب القبر وكيفيته؟ ومتى يكون؟ وهل ترد الأرواح إلى الأجساد عند التعذيب أم لا؟ وهل يكون العذاب في القبر أو يكون بين النفختين؟ - الجواب:
الكلام في عذاب القبر طريقه السمع دون العقل.
وقد ورد عن أئمة الهدى عليهم السلام أنهم قالوا: ليس يعذب في القبر كل ميت، وإنما يعذب من جملتهم من محض الكفر محضا، ولا ينعم كل ماض لسبيله، وإنما ينعم منهم من محض الايمان محضا، فأما ما سوى هذين الصنفين فإنه يلهى عنهم، وكذلك روي أنه لا يسأل في قبره إلا هذان الصنفان خاصة، فعلى ما جاء به الأثر من ذلك يكون الحكم ما ذكرناه، فأما عذاب الكافر في قبره ونعيم المؤمنين فيه فإن الخبر أيضا قد ورد بأن الله تعالى يجعل روح المؤمن في قالب مثل قالبه في الدنيا في جنة من جناته ينعمه فيها إلى يوم الساعة، فإذا نفخ في الصور أنشأ جسده الذي بلي في التراب وتمزق ثم أعاده إليه وحشره إلى الموقف، وأمر به إلى جنة الخلد، فلا يزال منعما ببقاء الله عز وجل غير أن جسده الذي يعاد فيه لا يكون على تركيبه في الدنيا، بل تعدل طباعه، وتحسن صورته، فلا يهرم مع تعديل الطباع، ولا يمسه نصب في الجنة ولا لغوب، والكافر يجعل