صنيعي (1) بك، فيتسع له مد البصر، وإن الكافر إذا دفن قالت له الأرض: لا مرحبا بك ولا أهلا، (2) لقد كنت من أبغض من يمشي على ظهري فإذا وليتك فستعلم كيف صنيعي بك، فتضمه حتى تلتقي أضلاعه، وإن المعيشة الضنك التي حذر الله منها عدوه عذاب القبر، إنه يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعين تنينا (3) فينهشن لحمه، ويكسرن عظمه، يترددن عليه كذلك إلى يوم يبعث، لو أن تنينا منها نفخ في الأرض لم تنبت زرعا، يا عباد الله إن أنفسكم الضعيفة وأجسادكم الناعمة الرقيقة التي يكفيها اليسير تضعف عن هذا، فإن استطعتم أن تجزعوا لأجسادكم وأنفسكم بما لا طاقة (4) لكم به ولا صبر لكم عليه فاعملوا بما أحب الله واتركوا ما كره الله. " ص 18 " بيان: قوله عليه السلام: تسعة وتسعين تنينا قال الشيخ البهائي رحمه الله: قال بعض أصحاب الحال: ولا ينبغي أن يتعجب من التخصيص بهذا العدد، فلعل عدد هذه الحيات بقدر عدد الصفات المذمومة من الكبر والريا والحسد والحقد وسائر الأخلاق والملكات الردية، فإنها تنشعب وتتنوع أنواعا كثيرة، وهي بعينها تنقلب حياة في تلك النشأة. انتهى كلامه. ولبعض أصحاب الحديث في نكتة التخصيص بهذا العدد وجه ظاهري إقناعي، محصله أنه قد ورد في الحديث أن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة، ومعنى إحصائها الاذعان باتصافه عز وعلا بكل منها، وروى الصادق عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إن لله مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم، وأخر تسعة وتسعين رحمة يرحم بها عباده، فتبين من الحديث الأول أنه سبحانه بين لعباده معالم معرفته بهذه الأسماء التسعة والتسعين، ومن الحديث الثاني أن لهم عنده في النشأة الأخروية تسعة وتسعين رحمة، وحيث إن الكافر لم يعرف الله سبحانه بشئ من تلك الأسماء جعل له في مقابل كل اسم رحمة تنين ينهشه في قبره.
هذا حاصل كلامه وهو كما ترى.