ومن حصده وزرعه، ومن داسه ورفعه، ومن الكيال والطحان، ومن الخباز والعجان؟ فلا يزال يفحص حتى يخلص إبريزه (١) على نار السبك (٢)، ويكمل عياره على المحك، ويشذب (٣) تخيله عن شوك الشك، فهكذا خشية الأتقياء يجفلون (٤) كما النعام، ولا يأكلون كما تأكل الأنعام.
يا نفس:
أراك على شرف الحمام، وأجدك على طرف الثمام (٥)، قد انحنت قامتك، ودنت قيامتك، ولم يبق من عمرك إلا ساعة زمنية، وما بعد المشيب إلا بلية أو منية، فتأهبي للعرض يوم القيامة، وتوضأي للفرض قبل الإقامة، وأكثري حزنا على نفس ضيعته، وشيطان أطعته، وهوى تبعته، ودين بعته، وما أخالك (٦) إلا كزنجي زنى وسرق، وعصى وأبق، فيرد إلى سيده مكتوفا، ومثل بين يديه موقوفا، يهوى الخلاص وأنى له الخلاص، ويرجو النجاة ﴿ولات حين مناص﴾ (7)، فهو كمريض لا يرجى برؤه، أو محيض لا يرقى (8) قرؤه، أو غريق نبذه الملاح، فأخذه التمساح، أو هائم خلفه الخريت (9)، واستهوته